وما دام قد اطمأن إلى ذلك ، فهو يناجي ربه ، ويعبر عما في نفسه بقوله : « إن لم يكن بك علي غضب فلا ابالي » .
أثار المنظر المحزن والموقف الغريب شفقة وتعاطف صاحبي البستان ، فأرسلا مع غلام لهما وكان اسمه (عداس) ويدين بدين النصرانية عنبا إلى الرسول الكريم .
تناول الرسول (ص) العنب ، ومد يده ليأكل فقال : « بسم الله » .
فأثارت الكلمة استغراب عداس ، أثارته بما لها من معان عقائدية وتعبير سلوكي خاص ، وارتباط يعبر عن روح وتفكير رباني ، غريب على عقيدة أهل الطائف وتفكيرهم ، فقال :
(والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة) ، فسأله الرسول (ص) : (من أي بلاد أنت وما دينك ؟ ) ، فقال : ( أنا نصراني من أهل نينوى) ، فقال الرسول (ص) : ( أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ ) ، فاستغرب عداس القول ، وسأل الرسول مندهشا : (وما يدريك ما يونس ؟ ) أجاب الرسول (ص) : (ذاك أخي ، كان نبيا ، وأنا نبي) .
سر عداس بما سمع وأثر الموقف والحوار وشخص الرسول (ص) في نفسه ، فراح يقبل يدي الرسول ورجليه ، وعتبة وشيبة يرقبان الحوار ويرصدان الموقف ، فالتفت أحدهما إلى الآخر ، وهو يقول لصاحبه : (أما غلامك فقد أفسده عليك)(1).
حاول عتبة وشيبة أن يقنعا عداسا أن دينه خير من دين الاسلام ، ويحولا بينه وبين التأثر بدعوة الرسول فلم يفلحا .
لقد آمن عداس ودخل دين الاسلام، فعاد الرسول ولم يؤمن من أهل الطائف أحد غير عداس ، عاد وهو أشد عزيمة وأقوى مضاء ، لا تهوله المواقف الشداد ، ولا تحول بينه وبين رسالته العوائق والاعداء .
عاد من الطائف وقد ثبت أروع درس في تأريخ الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه ، عاد ولم يستطع دخول مكة إلا بحماية وجوار (المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف) الذي أجاره ودافع عنه .
(55) مرحلة جديدة
Shafi 73