أما المرحلية والتدرج في الدعوة إلى الاسلام والتبليغ له ، والتي سار عليها الرسول الكريم (ص) وأوضحها القرآن الحكيم في تبليغ الاحكام والنزول التدريجي ، خلال ثلاث وعشرين سنة فإنها سنة كونية من سنن الله تعالى ؛ فالتغيير وبصورة خاصة التغيير الجذري الشامل ، كالتغيير الاسلامي الكبير ، يحتاج إلى مسيرة مرحلية متدرجة ، يتحقق فيها الاعداد والتكامل التدريجي لتعذر التغيير المفاجئ ، وعدم تهيؤ الوضع النفسي والفكري والاجتماعي له .
ثم بدأ الصراع
لقد كان حدثا عظيما ومفاجأة مذهلة لقريش أن تسمع صوت محمد (ص) ينادي بالابطح :
« إني رسول الله ، أدعوكم إلى الله ، وترك عبادة الاصنام » .
لقد شعرت قريش بتحدي محمد (ص) وانطلاق دعوته . إنها العاصفة والنذير وبداية الانقلاب والتغيير، فما عسى قريش أن تفعل وهي تشعر بالخطر على مصالحها وطغيانها ؟ إذن فليبدأ الصراع .
وهكذا بدأت مرحلة الصراع ، وتحركت قريش لتقف بوجه الاسلام ودعاته ، وتتصدى لمحمد بكل اسلوب وقوة تملكها ، فاحتلت المواجهة مساحات واسعة واستخدمت قريش كل وسائل الاسقاط والصراع .
فكانت بدايات الهجوم على النبي محمد (ص) ، هي الحرب النفسية التي تمثلت بالسخرية والاستهزاء والاستخفاف وتوجيه الكلمات المثيرة ، ولقد سجل المؤرخون
وكتاب السير استخدام قريش لهذا الاسلوب المتردي ، فروى اليعقوبي ذلك بقوله :
« فاستهزأت منه قريش وآذته » .
وكان القرآن قد تحدث عن هذا الاسلوب المشين ، وحصن نبيه (ص) والذين آمنوا معه ، ووفر لهم المناعة النفسية ، حين تعهد له بأن يكفيه المستهزئين ، يوم أمره بإعلان الدعوة إلى الاسلام ، وتحدي الطواغيت فقال له :
(فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين ).(الحجر/94 95)
Shafi 47