Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Nau'ikan
أما عن حال التبع الجديد «حسان» فقد لازمته الأحزان القاتمة التي وصلت إلى أعمق أعماقه عقب إقدامه على قتل أخيه الأصغر - الوحيد - عمرو، وهو راقد على فراش المرض، بخنجره المسموم، وذلك بقطع رأسه من الوريد إلى الوريد، ووضعها على «طست» من الذهب مغطى بالرماد، مثلما فعل أبوه - أسعد - مع رءوس أبنائه الأربعة يبكيه أحر البكاء كلما عم المساء. - ألا سحقا ليوم يأكل فيه بعضي بعضا، أيها الحبيب عمرو.
وهكذا فرض الملك حسان حصارا صارما حول نفسه في عزلته داخل قصره الحصين فلم يعد يكلم أحدا، حتى ابنته تدمر التي هي أقرب إليه من نفسه ذاتها.
حتى إنه لم يسمح لوفد من آلاف الوفود التي سعت إليه لتقديم الهدايا وفروض الطاعة بمقابلته، مشيعا أنه مريض ملازم لفراشه حسب مشورة الأطباء.
إلا أن الوحدة الصارمة التي فرضها على نفسه، كانت قد أحدثت مفعولها من حيث التحولات التي حدثت داخله، ليخرج بعدها على شعبه وقبائله، حسانا آخر جديدا، عابس الوجه ضائقا مستهدفا للبطش، أينما ساقته إليه قدماه.
وهكذا بدأ أولى خطواته الانتقامية بقتل جميع من أشاروا عليه بتنفيذ تلك الوصية المشئومة بقتل شقيقه عمرو.
فلم يستثن منهم واحدا، مهما تعاظمت درجة صداقته وقرابته منه.
كان يبعث إلى الواحد منهم بسيافه طالبا مقابلته، وقبل أن تعبر قدماه عتبة الديوان الثالث داخل مقر الحاكم يكون قد قضى نحبه.
وكان هذا سببا رئيسيا في تزايد بطشه وهيبته التي أصبح يحسب لها كبراء حمير قبل صغارهم كل حساب.
وكانت أخبار بطشه بأقرب مقربيه، تصل مسامع عمته البسوس أولا من عيونها المنبثة عليه حتى داخل قصره ومضجعه، فيصل بها الانتشاء أقصى مداه! - ها هو رأس حمير الحقيقي شديد البأس.
بل لكم تمنت البسوس أن يزداد انتقام ابن أخيها التبع حسان أكثر فأكثر، حتى ولو أصابها هي ذاتها الدور، إلا أنها أكدت وصيتها لمقربيها وهي الحفاظ على ذلك الوليد الصغير الذي لا يزال بعد رضيعا - ذو اليزن - ابن الأمير - الضحية عمرو، والتي كانت البسوس قد انتزعته انتزاعا من صدر أمه، قبل أن تعود إلى قبائلها بوادي الحجاز باكية فجيعتها في افتقاد كل من الزوج والابن.
Shafi da ba'a sani ba