مختصر من سيرة السيد الإمام المؤيد بالله
مختصر من سيرة السيد الإمام المؤيد بالله ... 1
بسم الله الرحمن الرحيم () ... 1
[مولده] ... 1
باب في ورعه ... 2
باب في علمه ... 6
باب في ذكر أصحابه ... 8
في ذكر خروجه ودعوته ... 11 بسم الله الرحمن الرحيم (1)
Shafi 1
الحمدلله الواحد العدل [حاشية من تكميل أمير المؤمنين المؤيد بالله محمد بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد عليه السلام عند الشروع عليه في السماع الثاني بقراءة السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن أحمد بن عامر طول الله عمره في عافية وسلامة وكرامه وجزاه خيرا في ليلة السبت العشرين من رمضان عام تسع وأربعين وألف أعان الله على التمام، وقبله بكرمه وجوده وصلى الله على سيدنا محمد وآل محمد وسلم، وأشهد أن لاإله إلا الله الذي قوله حق وفصل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ختم به الأنبياء والرسل، بلغ عن الله وجاهد في سبيله على منهج أولي العزم من قبله حتى أتاه اليقين، وقد أكمل الله له وبه الدين ووعده المقام المحمود، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الذين طهر لهم الفرع كما طيب لهم الأصل]. تمت
هذا مختصر من سيرة السيد الإمام المؤيد بالله أبي الحسين أحمد
بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
[مولده]
ولد بآمل طبرستان في الكلاذجه المنسوبة إليهم سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وتأدب في صباه حتى برع فيه.
واختلف إلى أبي العباس الحسني رضي الله عنه، وأخذ عنه مذهب الزيدية والكلام على طريقة البغدادية، وباين مذهب الإمامية لما اتضح له الحق، وباين أباه وحاجه فيه، وجادله، واتبع الدليل، وترك التقليد والنشو.
Shafi 1
واختلف أيضا إلى أبي الحسين علي بن إسماعيل بن إدريس، وقرأ عليه فقه الزيدية والحنفية، وروى عنه الحديث عن الناصر عليه السلام، وكان أبو الحسين هذا من أجلة أهل طبرستان رئاسة، وسترا، وفضلا، وعلما.
واستصحبه أبوه يوما لزيارة الشريف أبي الحسين يحيى بن الحسن الحسني الزاهد، فلما دخل عليه رحب به فحيث تمكن عنده خطب إليه ابنته المسماة بالحسنى فأشفعه(1)، وزوجها منه في الوقت، وقال: هل يصلح لها غيره.
قال المؤيد بالله: فلما زفت، بقيت في الصلاة ليالي متوالية إلى الصباح وأنا أستحي أن أعترض لها وساعدتها في العبادة، فلم أر أزهد منها، ولا أستر، فعاشرتها سنين ثم مضت إلى رحمة الله في شبابها، وقبرها يزار في الكلاذجة.
باب في ورعه
كان عليه السلام في الورع والتقشف والاحتياط والتقزز إلى حد تقصر العبارة دونه، والفهم عن الإحاطة به، فكان في حداثة سنه وعنفوان شبابه يتصوف، حتى بلغ في علومهم مبلغا منيعا، وحل في التصوف والزهد محلا رفيعا، وصنف (سياسة المريدين)، وكان يحمل السمك من السوق إلى داره قمعا لنفسه وكسرا لهواه وقسرا لتكبره، وكان(2) الشيعة يتشبثون به ويتبركون بحمله، فلايمكن أحدا من حمله ويقول: إنما أحمله قسرا للهوى، وتركا للتكبر، لا لإعواز من يحمله.
وبلغني أنه حمل كرة بعض المحقرات مكشوفا إلى باب الخانقاه فلما دخل على الأصحاب أدخله تحت ثيابه وغطاه وستره عنهم وأخفاه وفي ذلك معنى لطيف يعرفه من وفق لفهمه .
وبلغني أنه أفتى وهو بالري في بقرة أنها لرجل، فلما وقف على خطائه اجتهد حتى ظفر بالمستفتي وعرضها له.
Shafi 2
وحكي أنه اضطر وهو بهوسم إلى مائتي دينار، وعلم أنه إن لم تحصل أحوج إلى الجلاء، فقيل له: استقرض من أبي جعفر البيع فإنه مؤسر، فطلب منه أن يقرضه، فأبى عليه، ففارق هوسم، ولم يكرهه على الإقراض مع أن الشرع يسوغ له ذلك أخذا بالاحتياط.
وكان رضي الله عنه يجالس الفقهاء(1) وأهل المسكنة، ويكاثر أهل الستر والعفة، ويميل إليهم، ويلبس الوسط من الثياب القصيرة إلى نصف الساقين، قصيرة الكمين، وكان يرقع بيده قميصه، ويشتمل بإزار إلى أن يفرغ من إصلاحه، وكان يلبس قلنسوة من صوف أحمر، مبطنة، يحشوها بقطن، ويتعمم فوقها صغيرة متوسطة.
وكان يلبس جوربا مخيطة(2) من الخرق، ثم يلبس البطبط(3)، وكان لايتقوت ولايطعم عياله إلا من ماله، وكان يرد الهدايا والوصايا إلى بيت المال، وكان يكثر ذكر الصالحين، وإذا خلا بنفسه يتلو القرآن بصوت شجي حزين، وكان غزير الدمع، كثير البكاء، دائم التفكر، يتأوه في أثنائه، وربما تبسم أو كشر عن أسنانه.
قال القاضي يوسف: صحبته ست عشرة سنة فلم أره مستغرقا في الضحك.
وكان يستقصي في استيفاء العشور والزكوات من الفسقة وأهل الريب، ويقول لعماله: لاتأخذوا من أهل الدين والصلاح إلا ما أدوه عن اختيارهم فإنهم لايخلون بالأداء، ويكفوننا المهم فيهما، وكان يستوفي زكوات الأموال الظاهرة، ولايتعرض لزكوات الأموال الباطنة، وكان لايفطر في شهر رمضان حتى يفرغ من العشاء الآخرة، وكان يداوم على الصلاة بين العشائين، ويطعم في شهر رمضان كثيرا من المسلمين، وكان يمسك مال بيت المال بيده، ويحفظه بنفسه، ولايثق فيه بأحد، ويفرق على الجند بيده، ويوقع في الخطوط بيده.
Shafi 3
وبلغنا أنه وعظ مرة أبا الحسين بن أبي الفضل بن الداعي إلى الحق، فقال له: أيها السيد ومن يقدر أن يفعل ماتقول. فأخذ بأصبعه وجلدة ساعده، وقال: من يعلم أن هذا لايقوى على النار يقدر عليه وعلى أزيد منه.
ويحكى أنه رضي الله عنه اشتهى يوما من الأيام لحم حوت فبعث الوكيل إلى السماكين فلم يجد فيها إلا حوتا لم يقطع، وقالوا له: لانريد أن نقطعه اليوم. فعاد إليه وأخبره بامتناعهم من قطعه فوجه به ثانيا، وقال: مرهم عني بقطعه. فلما عاد إليه حمد الله على أن رعيته لاتحذر خبيته، وأنه عندهم ورعاياه سواء.
وحكى أبو الحسين الأسكوني عنه أنه قال: ماهممت بقتل إنسان قط إلا مرة واحدة، وذلك أنه أتاني رجل وأظهر التوبة، ورغب في خدمتي، وأقام عندي اياما، ثم أتاني ابني أبو القاسم وبندار وقالا: إنه إنما جاء ليقتلك. فدعوته، وسألته عن ذلك فأنكر فأخرجته من عندي، فتبعه ولدي أبو القاسم وأخذه وضربه، فأقر به ورده إلى عندي فباحثته فأقر بأن بعض الاستندارية بعثني لأقتلك وضمن لي مائة دينار، وقدم لي ثلثين، وكنت لاأريد الإقدام على القتل لكني توقعت منهم بعض ماوعدوني. فهممت أن أقتله، ثم راجعت نفسي وكظمت غيظي، وأمرت به إلى السجن، فلما كان أيام العيد أمرت بعرض المحبوسين(1)، فوجدتهم محبوسين بحقوق الناس غير هذا فإنه كان محبوسا بحقي، فخليت سبيله، وأمرت بإطلاقه، ورأيت عليه سروالا خلقا فألبسته سروالا جديدا، ومات بعد خمسين يوما، فحمدت الله حيث لم أقدم على قتله.
وروي أنه دخل المتوضأ لتجديد(2) الطهارة، فرأى فيه رجلا متغير اللون يرتعد فزعا، فقال له: مادهاك؟ فقال: إني بعثت لقتلك. قال: وما الذي وعدوك عليه؟ قال: بقرة. قال: مالنا بقرة، وأدخل يده في جيبه، وناوله خمسة دنانير، وقال: اشتر بها بقرة، ولاتعد إلى مثل ذلك.
Shafi 4
وحكي أنه كان يسير في طريق كلار فطلب ممطرا له من بندار صاحبه، فقال: هو على بغل لبيت المال، فأنكر عليه. وقال: متى عهدتني أستجيز حمل ملبوسي على دواب بيت المال، وأمر بإخراجه وتوفير الكرى من ماله على بيت المال.
وكان يصرف من خاص ماله إلى بيت المال مايكون عوضا عما ترسله الكتاب في أول الكتب وتفرجه(1) بين السطور إلى الكبار.
وحكى القاضي يوسف أن شيئا من المقشر حمل إلى داره لصرفه في مصالح المسلمين فالتقط منه حبات بعض الدجج التي تقتنى لأكله خاصة، فغرم من ماله أضعاف ذلك. وأظنني سمعته يقول: صرف الدجاج إلى بيت المال.
وحكي أنه لما ماتت ابنته أمر بنزع الأوتاد من الحائط، وتفريغ المملحة عما فيها من ملح، والنفط الذي في المسرجة إلى غير ذلك من المحقرات، وأمر بتقويمها إلى أن يدرك أولادها.
وكان إذا أراد دخول الحمام بهوسم استأجر يوما بثمن معلوم، واستأجر الحمامي لحفظ ثيابه.
وشكا إليه ابنه الأمير أبو القاسم ضيق يده، وقلة نصيبه من بيت المال، واستأذنه في الانصراف فأطلق له ذلك، فقال له أصحابه: إن أبا القاسم فارس فاره ولاغنى عن مثله، فلو أطلق له مايكفيه. فقال: إني أدر عليه مايصيبه ولايمكن الزيادة عليه، فإن الله سبحانه أمر بالتسوية بين الأولاد والأجانب.
وحكى القاضي يوسف أن بعض النقباء كان واقفا بين يديه فلما أراد رحمه الله دخول البيت حول حمسكه فلما شاهد صنيع النقيب جلس وقال: ياهذا من أمرك بما صنعت، ثم دعا ببندار(2) وسأله عن مشاهرة النقيب، فقال: ثلثي دينار، قال: رده إلى نصف دينار وتحط(3) الباقي، واكتبه علي فإني لا آمن أن يعود إلى مثل ذلك.
Shafi 5
وكان له صديق يتحفه كل سنة بعدد من الرمان فلما كان في بعض السنين زاد على رسمه وعادته، فسأله عن ذلك، فقال: إن(1) الله زاد في رماننا فزدنا في رسمك، فلما اراد الخروج شكا عن بعض الناس، فقال: ردوا عليه رمانه كله، وأمر بإزالة شكايته، ورفع الأذى عنه.
وكان عليه السلام يضايق الكبار في المراتب عند النكايب والتخاطب، كان يكتب إلى كبار السادة: للفاضل إلى فلان. من دون شريف ولاسيد، وكان لايحذف (من) من اسمه.
وكتب إلى محمود بن سبكتكين صاحب غزنة ، فكتب على العنوان: السلطان المعظم، والملك المبجل أبو القاسم محمود بن سبكتكين. ولم يكتب: مولى أمير المؤمنين، وكتب عند اليسار: من المؤيد بالله. فأشير عليه بحذف (من) فقال: من يجر مابعده لا ما قبله، فقلنا له: لكن العادة لم تجر بذلك، فقال لنا: أن نغير العادات.
Shafi 6
وكان يمين الصاحب لجلوسه، فيه، ويساره لقاضي القضاة، وكان أخوه السيد أبو طالب يختار الجلوس دون قاضي القضاة، ولايجلس دون أخيه لما بينهما من التنافر، فكان الصاحب يريد أن يصطلحا فلم ينجح فيهما، حتى قال لهما في بعض الأوقات: نصحت لكما فلم تقبلا فشأنكما وما قد شانكما. وكان لايرفع فوق المؤيد أحدا إلى أن قدم العلوي رسولا من خراسان، وكان محتشما عند السلطان ملك الترك الخان الأكبر، مبجلا عنده حتى أن الصاحب استقبله، فلما دخل عليه أجلسه عن يمينه، فلما دخل المؤيد بالله رآه على مكانه فتحير، فأشار إليه الصاحب أن يرفع إلى السرير الذي استند إليه الصاحب، فصعد المؤيد بالله إلى السرير وجلس في الدست الذي عليه، ووقع بينه وبين قاضي القضاة وحشة، واستزاده بسبب مسألة الإمامة، فتقاعد عن لقائه حدود شهر حتى ركب إليه قاضي القضاة. وقال له: قد بلغك حديث جدك الحسن بن علي وأخيه الحسين، وقول الحسين: لولا أن الله فضلك في السن علي حتى أردت أن يكون السبق لك إلى كل مكرمة لسبقتك إلى فضل الاعتذار، فإذا قرأت كتابي هذا فاسبق إلى ماكتب الله لك من حق السبق، والبس نعلك، وقدم في العذر والصلح فضلك، فقال المؤيد بالله: قد أطاع قاضي القضاة أيضا فضل شهمه وعلمه وعمل بمقتضى مازاده الله من سهمه، واعتنقا، وطالت الخلوة والسلوة بينهما.
وكان الصاحب يقول: الناس يتشرفون بالعلم والشرف، والعلم يتشرف بقاضي القضاة، والشرف ازداد شرفا بالشريف أبي الحسين.
Shafi 7
[حاشية: قوله: وكتب إلى محمود بن سبكتكين صاحب غزنة: غزنة مما وراء النهر، وكان محمود هذا سلطانا كبيرا، ملك ماوراء النهر ثم ملك خراسان وبه انقطعت فيه دولة بني سامان في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وكان يغزو الهند كل سنة، ثم ملك سجستان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وفتح في بلاد الهند بلادا واسعة، وكسر صنمهم المعروف ................. وكانوا يعتقدون فيه أنه يحيي ويميت، ويفعل مايشاء، ويقصدونه من أقاصي البلاد رجالا وركبانا، ولم يبق في بلاد الهند والسند على تباعد أقطارها وتفاوت أديانها ملك ولاسوقه إلا وقد تقرب إلى هذا الصنم بما عز عليه من الأموال والذخائر حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية مشهورة، وامتلأت خزائنه من أصناف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألف رجل يخدمونه، وثلاثمائة رجل يحدثوا حجيجه و........ عند الورود عليه، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون عند بابه، وكان بين بلاد المسلمين وبين موضع الصنم مسافة موصوفة بقلة المياه وصعوبة المسالك واستيلاء الرمل على طرقها، فسار إليها محمود في ثلاثين ألف فارس جريدة مختارة من عدد كثير، وأنفق عليه من الأموال مالايحصى، ولما وصلوا قلعته وجدوها حصينة منيعة ففتحوها في ثلاثة أيام، ودخلوا بيت الصنم وحوله من أصنام الذهب المرصع بأنواع الجواهر عدد كثير محيطة بعرشه يزعمون أنها الملائكة، فأحرق المسلمون الصنم المذكور ووجدوا في أذنه نيفا وثلاثين حلقة ذهب، فسألهم محمود عن معنى ذلك، فقالوا: كل حلقه عبادة ألف سنة ، وكانوا يقولون: يقدم العالم، ويزعمون أن هذا الصنم يعبد منذ أكثر من ثلاثين ألف سنة، وكلما عبدوه ألف سنة علقوا في أذنه حلقة، وشرح ذلك يطول. وملك محمود بن سبكتكين هذا مالم يملكه غيره من الملوك، وهو الذي جمع فقهاء الحنفية والشافعية، وكان على مذهب أبي حنيفة وطلب منهم يرجحوا له أحد المذهبين، فاتفقوا على أن تصلى بين يديه ركعتين على مذهب كل واحد، ويتفكر هو ويختار، فصلى القفال المروزي بطهارة مصبغة وشرائط معتبرة في الطهارة والتستر والاستقبال والأركان على وجه لايجوز عند الشافعي بغيره، ثم صلى ركعتين تجوزان عند أبي حنيفة فلبس جلد كلب مدبوغا، ولطخ ربعه بالنجاسة وتوضأ من غير نية بنبيذ التمر وكان في صميم الصيف في مفازة فاجتمع عليه الذباب والبعوض وكان وضوءه منكسا معكسا، ثم استقبل وأحرم بالفارسية .............. ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع، وتشهد وضرط في آخره من غير نية السلام، وقال: هذه صلاة يجوزها أبو حنيفة، فقال السلطان: لو لم يجوزها لقتلتك لأن مثل هذه الصلاة لايجوزها ذو دين، فأنكرت الحنفية، فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة فوجد كما حكاه القفال، فانتقل محمود إلى مذهب الشافعي، وتوفي محمود سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ومولده في المحرم سنة إحدى وستين وثلاثمائة والله أعلم. انتهى.
Shafi 9
قوله: وكان لايرفع فوق المؤيد أحد، إلى أن قدم العلوي رسولا من خراسان والعلوي المذكور هو: أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين الحسني الهمداني، يعرف بالوصي، أحد رواة الحديث، روى عنه الحاكم أبو سعيد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي رحمه الله بواسطة الأمير أبي الفضل عبيدالله بن أحمد الميكايلي حديث علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <ليس منا من غش مؤمنا أو ضره أو ماكره>. رواه العلوي المذكور عن أبي علي أحمد بن علي بن مهدي، عن أبيه، عن الإمام علي بن موسى الرضى، عليه السلام مسلسلا عن آبائه صلوات الله عليهم، ويحكى عن العلوي المذكور في وفادته على الصاحب أنه قال: لما توجهت تلقاء الري في سفارتي إليها من جهة السلطان فكرت في كلام ألقى به الصاحب، ولم يحضرني ما أرضاه، وحين استقبلني في العسكر وافضى عناني إلى عنانه جرى على لساني: {ماهذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم}. فقال: {إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون}، ثم قال: مرحبا ألف مرحب بالرسول بن الرسول والوصي بن الوصي، ويقال للعلوي المذكور: محمد الصوفي، والواعظ ببخارى، وأبوه علي يكنى أبا إسماعيل، ويقال له: الشهيد، لأن له أخا اسمه علي أيضا يكنى أبي الحسين، ويقال له: الرئيس، وأبوه الحسين يكنى أبا عبدالله، وهو ابن الحسن، ويقال له: البصري بن القاسم الفقيه الرئيس بالمدينة بن محمد البطحاني يروى بضم الموحدة وفتحها نسبة إلى بطحان أو إلى البطحا بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان أبو الحسن محمد المذكور متوطنا ببخارى، واشتهر بالوصي لأنه كان وصي الأمير السديد الساماني، وكان من أكابر السادات وأفاضلهم، ولقاؤه هذا للصاحب كان فيه رسولا من الأمير الرضي الساماني إلى فخر الدولة بن بويه، وله أشعار كثيرة فاخرة منها قوله يرثي الصاحب بن عباد:
Shafi 10
مات الموالي والمحب لأهل بيت أبي تراب ... قد كان كالجبل المنيع لهم فصار مع التراب
وقد تعزى هذه المرثية إلى ابن عمه علي الأطروش صهر الصاحب، وهو أبو الحسين عبدالله بن الحسين المعروف بالمسمعي لأنه كان أخا الأمير إبراهيم المسمعي من الرضاعة، وأبو عبدالله الحسين هو ابن علي الرئيس المكنى بأبي الحسين بن الحسن البصري المذكور أولا، وولدت بنت الصاحب لأبي الحسين ابنه عباد الذي يقول فيه الصاحب:
يارب لاتخلني من فعلك الحسنى ... يارب حطني في عباد الحسن] أو غير ذلك. تمت.
وحكى الطيلساني وكان يصحبه في أسفاره، وكان في جواره بآمل أنه سهر رحمه الله ببغداد سهرا كثيرا وهواء بغداد لايحتمل السهر فأثر فيه، فقلت: أيها السيد هو ذا تقتل نفسك. فقال: يا أبا القاسم لست أقتل نفسي ولكن أجعلها سيدا لأبي الفضل بن الداعي والحسين الناصر، فلما عاود طبرستان وولي نقابة آمل ونواحيها رأيت ابن الداعي والناصر قد ركبا إليه وحضرا لديه فذكرت عند ذلك حقيقة قوله وصدق ظنه.
باب في علمه
كان رضي الله عنه عارفا باللغة والنحو، متمكنا من التصرف في منثورها ومنظومها، وكان يعرف العروض والقوافي، ونقد الشعر، وكان فقيها بارعا، متقدما فيه مناظرا، وكان متقدما في علم الكلام وأصول الفقه حتى لايعلم أنه في أي العلوم الثلاثة كان أقدم وأرجح، ولم يبلغ النهاية في العلوم الثلاثة غيره، وإنما يقدم في علم أو علمين.
تأدب في عنفوان شبابه، وأخذ فقه أهل البيت من أبي العباس الحسني، وقرأ عليه الكلام على طريقة البغدادية، ثم تعرف ولقي الشيخ المرشد وقرأ عليه، ولقي جميع علماء عصره واقتبس منهم، وعلق زيادات الشرح بأصفهان عن قاضي القضاة بقراءة غيره.
حكى الشيخ أبو طالب ابن أبي شجاع، عن الشيخ أبي رشيد أنه قال: لم أر السيد أبا الحسين منقطعا قط مع طول مشاهدتي له في مجلس الصاحب، وكان لايغلب إن لم يغلب، وكانا يستويان إن لم يظهر له الرجحان.
Shafi 11
وحكي أن الصاحب قال له ليلة للحاضرين يذكر(1) كل واحد منكم أمنيته. فذكروا، قال: أما أمنيتي مجاراة الشريف أبي الحسين بن هارون وكان فارقه إلى أرض الديلم .
وحكي عن المؤيد بالله أنه قال: عزمت على أن أسافر إلى الأهواز للقاء قاضي القضاة أبي أحمد بن أبي علان وسماع مختصر الكرخي عنه، فأنهيت إلى الصاحب ماوقع في قلبي، فكتب كتابا بخط يده، وأطنب في وصفي، ورفع عن قدري، حتى كنت أستحيي من إيصال ذلك الكتاب، فأوصلت الكتاب إلى قاضي القضاة، فقال: مرحبا بالشريف، فإذا شاء افتتح المختصر ولم يزد على ذلك، ولا زارني بنفسه مع تقاعدي عنه من الغد، ولا أزارني أحدا من أصحابه، فعلمت أنه اعتقد في كتاب الصاحب أنه صدر عن عناية صادقة، لاعن حقيقة، فقعدت عنه حتى كان يوم الجمعة حضرت الجامع بعد الظهر، ومجلسه غاص بكبار العلماء، فقد كان الرجل مقصودا من الآفاق، فسئل القاضي أبو أحمد مسألة كلامية وكان لقي أبا هاشم، فقلت له لما توسط في الكلام: إن لي في هذا الوادي مسلكا. فقال: تكلم، فأخذت في الكلام، وحققت عليه المطالبات، ثم أوردت مسألة(2) عرقت فيها جبينه فامتدت الأعين نحوي، فقلت بعد أن ظهرت المسألة: عليه يقف على فضلي القاضي.
وسأل شيخ إلى جنبه عن مسألة من أصول الفقه، فلما أنهى السائل ما عنده قلت: إن لي في هذا الجو متنفسا. فقال القاضي: والأصول أيضا ! فحققت تلك المسألة على ذلك الشيخ، فظهر ضعفه، فسامحته.
وسأل شيخ عن يساره عن مسألة في الفقه، فقلت: لي في هذا القطيع شاة. فقالوا: والفقه أيضا! فأوفيت الكلام في تلك المسألة أيضا حتى تعجب الفقهاء من تحقيقي وتدقيقي.
فلما ظهرت المسألة كان المجلس قد انتهى إلي، فقام القاضي من صدره وجاء إلى جنبي، وقال: أيها السيد نحن ظننا أن الصدر حيث جلسنا فإذا الصدر حيث جلست، فجئناك نعتذر إليك من تقصيرنا في بابك.
Shafi 12
فقلت: لاعذر للقاضي مع استخفافه مع شهادة الصاحب بخطه.
فقال: صدقت لاعذر لي. ثم عادني من الغد في داري مع جميع أصحابه، وبالغ في التواضع فحضرته، فقرأت عليه الأخبار المودعة في المختصر فسمعتها بقراءته، وأمدني بأموال من عنده فرددتها، ولم أقبل شيئا منها وقلت: ماجئتك عافيا مستمنحا، فقد كان حضرة الصاحب أوفى حالا وأسهل منالا، ولم يكن هناك تقصير في لفظ، ولا تفريط في لحظ، ففارقته فشيعني مع أصحابه مسافة بعيدة، وتأسفوا على مفارقتي.
وصنف رحمه الله في الأصول: (النبوات) وهو كتاب حسن يدل على غزارة علمه في الأدب، ومعرفته بأقسام الكلام، وعلمه بأصول الدين، وصنعة الشعر والكتابة والبراعة.
وله كتاب (التجريد) في فقه الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام، و(شرحه) وهو كتاب لم يصنف مثله في فقه أهل البيت عليهم السلام.
وله كتاب (البلغة) في الفقه، وله (نقض الإمامة على ابن قبه الإمامي) صنفه في حال شبابه، وكل تصانيفه حسن مليح.
وله (التفريعات) في الفقه وتولى جمعها الأستاذ أبو القاسم بن تال، وهو كتاب الإفادة وزيادات هذه المسائل، وله رسائل وقصائد أودعت بعضها كتاب (الاستبصار في أخبار العترة الأطهار).
وحكي(1) أن يهوديا متقدما في المناظرة والمجادلة قدم على الصاحب فاتفق أنه حضر مجلس الصاحب فكلم اليهودي في النبوات حتى أعجزه وأفحمه، فلما قام من المجلس ليخرج قال له الصاحب: أيها السيد أشهد إنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب.
Shafi 13
باب في ذكر أصحابه
منهم بالري والدي الموفق بالله أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل الحسني الجرجاني. حكى أبو عتاب الزيدي وغيره من أصحابنا أنه سئل بفرزاذ عن والدي، فقال: هو أفقه من القاسم بن إبراهيم.
والقاضي أبو الفضل زيد بن علي الزيدي المعروف بابن النجار الرازي، وكان من بيت العلم والرئاسة.
ومن أصحابه: أبو منصور بن شيبة الفرزاذي.
والشريف مانكديم الأعرابي القزويني الخارج بلنجا بعده.
والشريف أبو القاسم بن زيد بن صالح الزيدي.
والشريف محمد بن زيد الجعفري.
ومن أصحابه في الزهد والعبادة: الشريف أبو جعفر الزيدي، وكان قد استدعاه غير مرة ليستخلفه فأبى ولم يجبه لاشتغاله بنفسه، وإقباله على زهده.
ومن أصحابه: الفقيه أبو القاسم بن تال، وهو الذي هذب مذهبه وجمع الإفادة والزيادات.
ومنهم: أبو بكر الموجدي القاضي قرأ عليه فقه الزيدية.
ومنهم: القاضي يوسف الخطيب الإسكندري، وأبو الحسين الأسكوني.
Shafi 13
ومن أصحابه ومتابعيه: أبو علي بن الناصر خلفه بجيلان، وعاد إلى آمل بالآخرة(1)، وقال: لاتحسبوا أني فارقت المؤيد بالله من غير إذنه، لا والله ولم أخرج من عنده إلا بإذنه، وأنا أقول بإمامته، ولا أعرف في هذا الزمان رجلا أفضل منه.
ومنهم: أبو عبدالله الحسين بن محمد شاه سترسخان ... تأمل....
وحكي أن المؤيد بالله سئل عن الطلاق الثلاث بلفظة واحدة في مجلس الصاحب فكلمه القاضي أبو القاسم بن كج، وكان إمام أصحاب الشافعي، وآل الكلام إلى جميع من حضر من الفقهاء فانقطعوا في يده فقال الصاحب: يقال: لاعلم لطائفة فيهم هذا الأسد يعني المؤيد بالله .
وحكي أنه ورد عليه من كلار مسائل صعبة على أصول الهادي فأجاب عنها، وهذه المسائل موجودة.
فقال الصاحب: لست أعجب(2) من هذا الشريف كيف أتى بهذا السحر، وإنما أتعجب من رجل بكلار كيف اهتدى إلى مثل هذه الأسئلة.
قال: سمعت القاضي أبا الحسن الرفاء يقول: ليس اليوم في الدنيا أشد تحقيقا في الفقه من السيد أبي الحسين الهاروني.
وسمعت الشيخ أبا الفضل بن شروين رحمه الله يقول: دع أئمة زماننا إنما الشك في المتقدمين من أهل البيت وغيرهم، هل كانوا مثل هذا السيد في التحقيق في العلوم كلها أم لا.
Shafi 14
قال: وسمعت الأستاذ الزاهد أبا القاسم يقول: ورد على المؤيد بالله من جيلان رجلان موصوفان بالشجاعة، أحدهما فاسق، والآخر زاهد، فبعث إلى الفاسق نزلا حسنا وبعث إلى الزاهد شيئا تافها يسيرا، فرد الزاهد مابعث إليه، وقال: بعثت إلى فلان بكذا وإلي بهذا القدر. فقال: إنما بعثت إلى الفاسق أكثر لأنه جاء للدنيا ولها يعينني، وأنت جئت تطلب الآخرة. فرضي الزاهد بعطائه، وقنع به.
وقال ابن تال، وسمعته: لما أسر الأمير شوزيل المؤيد بالله اجتمع المسلمون عنده وسألوه أن يفرج عنه، فأخرج جوشنا، وقال لهم: أحصوا المواضع التي أصابها المزراق من هذا الجوشن، فأحصوا، فبلغ نيفا وثلاثين موضعا، فقال: من يثبت في المعركة هذا الثبات كيف يفرج عنه ويخلى سبيله.
وقال: وسمعت ابن تال يقول: سمعت شيرأسفار لوراذنج يقول: لولا وقوف المؤيد بالله يوم حرب آمل مع خمسين رجلا من الثابتين لم يخلص(1) منا إلا اليسير، ثم انصرف وقال: لولا أني أخاف أن لايقتلني ويعذبني بأنواع العذاب لما انصرفت من هذا المقام.
قال: ولما دخل كلار واستولى عليها أمر وزيره أن يحرز دخل الناحية، ففعل، فكان عشرين ألف درهم ومائة ألف دينار، فقال: كل هذا ظلم إلا مائة وخمسة وتسعين دينارا جزية لأهل الذمة، ورد الجزية إلى مائة وثمانين دينارا، وترك الجميع.
قال: وسمعت ثقة يحكي أنه لما انهزمت عساكر المؤيد بالله من شوزيل، وأصابته جراحات نزل من دابته في المعركة وجلس على الأرض فقصده رجل ليقتله، فقال له رجل آخر: هذا السيد أبو الحسين. فقال : اللعين، اقتله ولو كان نبيئا، فغضب المؤيد بالله عند ذلك، ووثب في وجهه وسبه، وقال: قد كفرت ياسيء الأدب، تب إلى الله سبحانه، فخلاه الرجل وهرب.
Shafi 15
قال: وسمعت ثقة يقول: إن في اليوم الذي أسر المؤيد بالله قصده رجل من الجيل ولطمه، فدعا عليه، وسأل ربه أن يجعل الآكلة في يديه(1)، فعن قريب رأيناه وقد اسودت يداه، ووقعت فيهما الآكلة حتى ذهبتا.
قال: وسمعت ثقة أن المؤيد بالله حكم بقتل رجل وسلمه إلى أولياء الدم، فلما هموا بقتله اغرورقت عيناه وجاد بالدموع، فقال أولياء الدم: ألسنا نقتله بحكم الله وحكمك؟ ؟فقال: بلى، ولكن قلبي يحزن عليه من غير اختياري، فعند ذلك عفى عنه أولياء الدم، وتاب الرجل، وحسنت توبته، وجاهد بين يديه جهادا كبيرا.
قال: وسمعت ثقة يقول: قيل للمؤيد بالله: إن في بعض قرى ديلمان رجلا له في الزهد محل عظيم وليس له مايفرشه ويجلس عليه إلا شيء نسجه من أغصان بعض الأشجار، وليست له وسادة إلا آجرتان يتوسدهما. فقال لأصحابه: قوموا بنا نزور هذا الرجل، فلما قصده استقبله الزاهد، وقال: لماذا جئت إلى هاهنا، وليس لنا مانجلس عليه، ولامانأكله؟ فقال عليه السلام: لهذا جئناك، فإن من له مايأكل عنده ويجلس عليه كثير، ولانقصده ولانزوره.
قال: وسمعت جماعة تحكي أن بندار وزير إلكيا أبي الفضل الثائر في الله لما أخبر أنه أحرقت داره بهوسم في الفتنة التي كانت بها بسبب إحراق مشهد الناصر للحق بآمل قال: إن هذا القاضي الكاذب خرب داري يعني بذلك المؤيد بالله ، فأنهى ذلك إلى المؤيد بالله فلم يسمع فشهد بذلك جماعة، فقال عند ذلك: اللهم خذه مفاجأة ولاترزقه الشهادة عند موته. فعن قريب مات بغتة ومفاجأة بحيث كان جالسا، فاستلقى على قفاه، وإذا هو ميت من غير وصية ولاتوبة.
Shafi 16
قال: سمعت السيد أبا الحسين زيد بن علي بن الحسين الأستري الجرجاني يقول: إن عياض الثعلبي حضر مجلسا بجرجان جرى فيه ذكر السيد المؤيد بالله، وذكر بعضهم أن الله سبحانه يعينه على الحق، وينصره. فقال العياض الثعلبي: برئت من أنه يعينه. وقال عقيب هذا القول : أوجعني بطني، وتعلق ببطنه، وعاد إلى داره، ومات في تلك الليلة.
قال: وسمعت هذا السيد يقول: إن أبا عمرو الفقيه القصار الجرجاني حضر مجلسا بجرجان في أيام الأمير فلك المعالي، فذكر بعضهم أن السيد أبا الحسين الهاروني إنما يطلب بما يفعل الدنيا، وليس يعمل لله سبحانه. فقال أبو عمرو: وكذلك أبوه علي بن أبي طالب، كان يحارب معاوية وعائشة للدنيا لا للآخرة، وفارق ذلك المجلس وعاد إلى داره، وفلج في الوقت، ومابرز من داره بعد ذلك، ومات من تلك العلة.
قال، وقيل في آخر عمره: إنك قد ضعفت فلو صالحت هؤلاء الأمراء لكان الأثر أسهل عليك، فقال: إني أعلم أن أجلي قد قرب فلا أريد أن أخرج من الدنيا وبيني وبين أعداء الله مصالحة.
سمعت الفقيه يقول: سمعت القاضي أبا عبيد الجعدوي برباط دهستان يقول: بلغني أن المؤيد بالله كان في بعض الليالي يطالع مسألة مع الملحدة الدهرية فاشتبه عليه جواب مسألته(1)، فأمر باتخاذ مشعلة وقصد باب قاضي القضاة بعد قطيع من الليل، وهدوء الناس والأصوات، فأخبر قاضي القضاة بحضوره، فاشتغل خاطره وهيأ مكانا وجلس فيه، حتى إذا دخل عليه وجاراه في تلك المسألة وانفتح له جوابها واتضح لديه ماكان بها، قال له قاضي القضاة: هلا(2) أخرت إلى الغد وتغيبت في هذا الوقت؟ فقال المؤيد مغضبا من كلامه متعجبا : ماهذا بكلام مثلك، أيجوز في أن أبيت وقد أشتكلت علي مسألة، ويمكنني أن أجتهد في حلها. فاعتذر إليه قاضي القضاة، وقال: إنما ذكرت هذا الكلام على الرسم الجاري بين الناس، وطيب قلبه، وعاد إلى منزله.
Shafi 17
وحكي أن قاضي القضاة سئل: من الخوارج؟ قال: نحن، خرج أبو الحسين الهاروني داعيا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتخلفنا عنه.
وسمعت أبا الحسن الإستراباذي بموشياه سربيحان؟؟؟؟ يقول: أخبرني والدي، قال: سمعت إبراهيم بن أرج الفقيه، يقول: كان المؤيد بالله جالسا في بعض الأيام وعلي بن سرجاب الأمير ببتنجان على يساره إذ جاء رجل بقار وسلم على المؤيد بالله، فرد عليه، ثم قال: أيها الإمام لي دعوى على علي بن سرجاب، فقام علي بن سرجاب وقام بجنبه فادعا أنه غصب بقرة له، فسأله المؤيد بالله عن صفة البقرة وقيمتها، فوصف وبين، فأنكر علي بن سرجاب فلم يكن له بينة فحلفه، ثم قال المدعي: كان غرضي بهذه الدعوى أن يتحقق الناس أنا في زمان إمام يسوي بين الملك والبقار، ولم أطمع في أخذ قيمة البقرة منه لأنه أميرنا.
قال الفقيه، قال والدي: سمعت ثقة يقول: إن أصحاب المؤيد بالله حضروا عنده، وقد قبضوا على رجل وقد ضربوه واستخفوا به، وقالوا: رأيناه وقد رفع رأس بقرة على خشبة. ويقول: هذا رأس أبي الحسين الهاروني، فسألوه فأنكر، وشهد عليه بذلك جماعة، فقال للرجل: أسأت ودواؤك أن تتوب. فقال الرجل: تبت، وندمت، فعفا عنه وخلى سبيله، فاستمر الرجل على التوبة وحسنت سيرته وحمدت طريقته، حتى كان يقصد للزيارة.
قال: وقصده رجل فقال: أيها الإمام في جواري رجل يكفرني، أأكفره؟ قال: ناظره وجادله وعظه، فإن لم تنجع فيه، ولم يخف الله فيك فخف الله فيه، كيلا تكون مثله.
قال: وسمعت الشيخ أبا القاسم بن تال يقول: إن فلك المعالي دخل آمل في زمان أبيه، فاستقبله سادات طبرستان وتقاد الجنائب المحلاة بالذهب قدامه في تجمل عظيم. قال فلك المعالي: لايعجبني ما أرى منكم، فالعلوي يحب أن يكون مثل أبي الحسين الهاروني، الذي هو ذا يناطح أبي.
Shafi 18
قال: وسمعت ثقة أن الديالمة كانوا يدعون للمؤيد بالله بأنواع الدعاء نحو إطالة البقاء، وقوة الظهر إلى غير ذلك، فدخل رجل ودعا له بالغفران فقال: هذا الرجل دعا لي، والباقون يدعون لأنفسهم.
قال: وسمعت الشيخ أبو القاسم بن تال يقول: قال المؤيد بالله: كان أشد الناس تعصبا علي أبو حرب بن يزدقول كان ناصري المذهب بسبب تصويبي القولين المختلفين حتى رجعت إلى الري، ووردها أبو حرب هذا ورأى حشمتي بين أهل العلم، وعرف مقامي في الفضل فقصدني وجاراني في هذه المسألة، وناظرني حتى ظهر عنده الحق فتاب من صنيعه، وصار من خواص أصحابي.
قال: وسمعت ثقة أنه لما تاب شاهي بن خراهيج جاء إلى المؤيد بالله يستحلل منه، فإنه كان بالغ في مخالفته وأذيته، فامتنع من تحليله إلا أن يعينه على أموره، فأعانه وجاهد بين يديه، وأنفق قريبا من ألف دينار في مصالحه حتى رضي عنه.
قال: وكان المؤيد بالله يقول: إسلام التائبين وطريقتهم في الغالب أحسن، وطرائقهم أرضى من الذين نشأوا على الإسلام والزهد.
Shafi 19