(قصة قفوله عليه السلام إلى بلدة ذيبين) قال السيد شرف الدين يحيى بن القاسم رضي الله عنه: إن قفول أمير المؤمنين إلى ذيبين من العجائب التي لم يكن أحد يتصورها خرج منها خائفا يترقب ثم عاد إليها في عساكر تملأ الفضاء وخرج منها وهو خائف من عترته وأهله كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة حرسها الله تعالى ثم عاد إليها وهم خائفون له ينظرون من طرف خفي، فلما كان يوم السبت المذكور نهض عليه السلام في عساكره من الأوساط ونصبت الرايات وحركت النقارات وتهيأ الناس للعراضة ولقى الأمراء الأجلاء أهل ذيبين آل يحيى بن حمزة وجميع الفقهاء والطهراء من جهتهم والجيران في هيئة جميلة وخيل وافرة وجموع متكاثرة فالتقوا بأمير المؤمنين ما بين يناعة وسودان موضعان قريبان من الجهة فسلمو عليه وحمدو الله تعالى على ما من به عليهم من قفوله إلى بلده، ثم أمر أمير المؤمنين أن يكون طريقه شرقي جبل المنقصة على الأعصر المعروف [81أ-أ] لتعويل الأمراء أولادهما بن أبي هاشم الحمزي أهل ظفر على أمير المؤمنين فلم ير أمير المؤمنين إلا مساعدتهم فسار العسكر المنصور حتى حط في سفح جبل بلس من بلاد بني جبر من الصيد وكانوا منقطعين إلى أمير المؤمنين ولهم جهاد وعناية بين يديه فنصب الأمراء المذكورون هناك خيمة وأقام ساعة، ثم أمر الأمراء من حصن ظفر بالضيافات الجيدة لجميع العسكر، فلما انقضى أمر الضيفة نهض أمير المؤمنين عليه السلام من ساعته مستقبلا وادي ذيبين فسار حتى خرج من السواد إلى أسفل الوادي ولقيه الأمير الكبير المتوكل على الله أحمد بن أمير المؤمنين ومن معه من أهله وخدمه فسلم على أمير المؤمنين ولم يلبث طائلا ثم سار الناس فكانت طريقهم الوادي حتى إذا كانوا قريبا من المأثرة القديمة لزموا سفح الجبل من وادي ذيبين وقد كان أمير المؤمنين أمر أن تنصب الخيام هنالك فلما وصل أمير المؤمنين لم يلبث إلا ساعة ثم توضأ في آخر الوقت وصلى الظهر والعصر وأتم الصلاة وأشعر الناس ذلك وركب إلى داره المباركة من ساعته واستقرت المحطة هنالك ولما كان من الغد أقبلت قبائل حاشد وبكيل من كل ناحية وأمر الأمراء الأجلاء آل يحيى بن حمزة بذبح البقر السمان والغنم وأعدوا لجميع العساكر الضيافات ثلاثة أيام وكانوا في هذه الأيام يدعون الحفلى حتى أهل السوق ويصيح الصائح بحضور الكل ولا يتركون أحدا من الضيوف ثم بعد الثلاثة الأيام يحضون الأمراء من الشرف والرؤساء وقبائل العرب وكبارها ورؤساء حاشد وبكيل.
قال المحدث: وتكاثر الناس في ذيبين ووصل السلاطين الأجلاء بنو شهاب وأجناد صنعاء وذمار والكرد وأقبلت إليه كبار جنب الخلافة في رواحل عدة كانت المحطة من الشصر المعروف شرقي ذيبين إلى سفح جبل صولان إلى قرية حنط حمران إلى أسفل الجليح وكان السوق عند المسجد الجامع وأمر أمير المؤمنين عليه السلام بخيمة عظيمة نصبت له ما بين الدرب وقرية حنط حمران يخرج إليها في أكثر الأيام يفصل بين الناس ويمضي الأحكام ويقبض من الناس البر والنذور فلما كان يوم العيد وهو يوم الخميس عيد الأضحى أمر فضرب له صيوانا ونصب تحته منبرا في أسفل الصر عند قبور الشهداء في القاع الصفصف هنالك فصلى بالناس صلاة العيد وخطب خطبتين يتضمنان الوعظ والتذكير فلما فرغ من الصلاة سار الناس بأجمعهم إلى القاع غربي بركة مذود فلعب أكثر الفرسان وراح الناس ظهير النهار فأمر أمير المؤمنين بجمع العسكر إلى داره وأمر بسماط عظيم فيه جملة ألوان من الأطعمة فأكرم الناس أحسن كرامة وذكر أضحيته وتصدق ببعضها وكان ثاني العيد وهو يوم الجمعة توضأ في داره وأمر الناس بالركوب والصلاة شرقي بركة مذود فسار الناس فلما انقضت صلاة الجمعة أنشدت قصائد منها قصيدة القاضي الأجل اللسان يوسف بن علي اليمامي يمدح فيها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ويهنئه بالعيد في ذيبين[81ب-أ]:
هنيك أبكار المعالي وعونها
نهنيك دار الخلد داونت طالب
وماذا عسى أن يصطفي لك قائل إذا كان ذات الملك أعطت شمالها
Shafi 257