قال الراوي: لما استقر أمير المؤمنين بصنعاء وكان ممن وصل معه الأمير الكبير المعظم الخطير الناصر لدين الله شرف الدين الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الهادي إلى الحق عليه السلام، وأنزله الإمام عليه السلام في جانب الدار السلطانية ليقرب منه للمراجعة والمشورة وأنصفه أمير المؤمنين ومن معه مع تراكم الناس وكثرة المطالب وتقاصر الأحوال فصار الأمراء الحمزيون ربما يشكون عليه ويصورون له صورا داخلة بشيء من الشك في السيرة المهدية أو كانه ظن أن أمير المؤمنين قصر في إنصافهم فاستأذن في العودة إلى بلاده فأذن له الإمام عليه السلام وجهز وأنعم عليه وأحسن وأجمل، فلما وصل صعدة ورأى من أهل صعدة شدة الكراهة للأمراء ابني حمزة والجرأة بالأذية لهم فأجابه أنفة وحمية للرحم الماسة فتقدم إلى رغافة وأخرت صلاة الجمعة في جهاتهم إلا القليل وصارت تأتى منهم شكاوي ورسائل واعتراضات من أجل حصن تلمص وأنه لهم ومن أجل عقود كانت بينهم وبين الإمام عليه السلام وقد أجيبوا عن ذلك أحسن جواب فمن الأجوبة ما تولاه القاضي الشهيد نجم الدين يحيى بن عطية بن أبي النجم رحمه الله، ثم وصل منهم كتاب يعتذرون فيه بموانع صدتهم عن الإتصال بعد أن استدعاهم أمير المؤمنين وسوغت لهم التأخر عن الجهاد [65ب-أ] ويطلبون المحاكمة في تلمص وأنه لهم ملك وأشياء أخر ...................... بهذا الكتاب من عبدالله المهدي لدين الله أمير المؤمنين ثم سلم عليهم وعظم شأنهم ومدحهم بماهم أهله في صدر الكتاب كما جرت عادته في الأدب وحسن الخلق فقال عليه السلام: فأما ما ذكروه في إجابتهم من الأعذار والموانع التي صدتهم عن الجهاد في سبيل الله تعالى وأنهم لا يدعون من ذلك الواجب وذلك هو اللائق بهم وبكل مسلم وهم أبناء القوم الذين ذبوا عن هذا الدين وطمسوا رسوم الجور والجاحدين ولذلك دعوناهم وما ينبغي لمثلهم أن يقتصر في هذا الباب على الأعذار المجملات فأما الذي لأجله ساقوا الحديث وهو ما معهم من الخطوط منا في أمر صعدة وما يتعلق بها وأن كتبنا في هذه المدة وصلتهم مخالفة لما في أيديهم وتعريضهم بوقوع الخلل فيما كتبت وإخلاف الوعد فيما سطر، قال عليه السلام: فنحن نبين لهم أعزهم الله جلية الأمر، ونعلمهم أنا ما أخطأنا في الأول ولا في الثاني ومن برئ من الخطأ برئى مما يتبعه من العتب، فأما كتابنا الأول لهم بصعدة وأعمالها فإنا فعلنا ذلك لهم نريد منهم مزاحمة العدو عليها وإزاحته عن ملكها فيفوزوا بشرف فتحها وعاجل نفعها، فلما لم يتمكنوا من ذلك وغلبهم القوم عليها وجيشنا عليها الجيوش وعسكرنا العساكر وفتحناها عرضنا على المجالس حفظها وتحمل خطرها لكونها في أيديهم وبقاهم على ما في أيديهم من الخطوط فلم يساعدوا إلى ذلك وعجزوا عن القيام به فأفضت الحال بالجميع إلى صلح يضمن أن نصف البلاد للقوم وأن تسليم حصن تلمص كان مشروطا بأن لا يدخله منهم أحد بل لا يدخله شريف فأتى ذلك على نفي ما كنا أردناه من كونها في أيديهم ولاية، ثم لم نفرغ من نوبة بني حمزة وتوقي شرهم حتى نجم علينا من الأمراء شكاوي وعتوب تؤذن بكراهة ما نحن عليه والميل إلى محبة من هو عدو للجميع وأطللنا على كتب صادرة من بعض الأمراء إلى الغز فيها الاستنصار علينا والإستدعاء لحربنا فانتقض العمل من أصله؛ إذ الخطوط مبنية على كوننا يدا واحدة متمسكين بطريقه واحدة حينئذ عرفنا أن الخلل وقع من غيرنا وأنا باقون على الوفاء للصاحب وإن كان إذا استعملتم النظر والمعرفة غير واجب؛ إذ هذه الكتب ليست في تمليك؛ إذ ليس لنا ذلك وإنما هي ولاية ولولي الأمر أن يعزل من ولاه وأقطعه ما قبل استقرار الولاية أو بعدها، ومثلهم أيدهم الله من لا يجهل ذلك، فلما حدثت هذه الحوادث بيننا وبين بني حمزة أردنا أن نجعل أيديهم مستقرة على ما كانت عليه أيديهم من النصف من طريق الإحسان والتفضل لا من طريق الوجوب فكرهتم ذلك وغيرتم في وجهه وما كان هذا ظننا وإنما أخلفنا الظن، فالله المستعان، وكنا نتصور أن دعوى الأملاك [66أ-أ] في هذا الباب لا يقع حتى وصلتنا مطالعتكم بكتب المحاكمة في تلمص المحروس ونحن نجيبكم إلى ما سألتم ونلبي دعاكم في طلب الحكومة فبادروا رحمكم الله إلى ذلك ولا تتأخروا ليهلك من هلك عن بينه ويحيي من حي عن بينه ولتعلموا أنا ما نلقى الله تعالى بظلم أحد من خلقه قرب أم بعد عظم أم لم يعظم وكيف نمتنع عن الشرع ونحن الذين عطفنا الناس عليه بالسيف، وبذلنا في نصرته المهج، وأنفقنا النفوس والأموال يعلم من عاشرنا وعرف أحوالنا، ولله القائل:
تعرفني ما كنت قبل أوانه
... أسرح فيه دائما وأسيم
فهذا لعمر الله كمهدي التمر إلى هجر وداعي مدده إلى النضال فهلم أيدكم الله إلى ما طلبتم نخرج عليكم كما خرجتم ونستدعيكم إلى طلبه كما استدعيتم وليس لكم أن تقولوا هلم إلينا؛ لأنا في ثغور المسلمين مقابلين لعدوهم لا يسعنا عند الله سبحانه أن نتزحزح عن ذلك؛ لأن بتخليته تنتقض أمور المسلمين عامة، وتعلوا كلمة المبطلين، ويهن أمر المتقين، وهذا وإن كان واجبا على الجميع منا مضيقا فليس إخلال البعض به يسع تركه للكل والذي طلبتم من الحكومة في أمرهم يجب لكم بزعمكم يمكن تأخيره؛ لأنه ليس بمتضيق لاتساع وقته وهذا الذي يجب من حفظ بيضة الإسلام، وسد الثغور، وإصلاح أمور الجمهور مضيق لا اتساع في وقته ولا يمكن تأخيره مع الاستقامة على الحق.
فأما قولكم أنا لا نقبل لا مهلة ولا مغالطة، فكذلك لا نقبل مهلة ولا مغالطة، فمن تأخر من ذلك بعد هذا أكان هو الذي ركب متن الغلاط وعدل عن الحق إلى الباطل.
Shafi 212