Hasumiyar Sarakuna
سراج الملوك
Mai Buga Littafi
من أوائل المطبوعات العربية
Inda aka buga
مصر
الموت وحضور الموت من معدن الحياة.
وروي أن سلطان صقلية أرق ذات ليلة ومنع النوم فأرسل إلى قائد البحر وقال: أنفذ الآن مركبًا إلى إفريقية يأتوني بأخبارها. فعمر القائد المركب وأرسله لحينه، فلما أصبحوا إذا بالمركب في موضعه لم يبرح فقال له الملك: أليس قد فعلت ما أمرتك به؟ قال: نعم امتثلت أمرك وأنفذت المركب ورجع بعد ساعة، وسيحدثك مقدم المركب فجاء مقدم المركب ومعه رجل فقال الملك: ما منعك أن تذهب حيث أمرت؟ قال: ذهبت في المركب فبينما أنا في جوف الليل والبحارون يجذفون، فإذا أنا بصوت يقول: يا الله يا الله يا غياث المستغيثين! يكررها مرارًا فلما استقر صوته في أسماعنا ناديناه مرارًا: لبيك لبيك! وهو ينادي: يا الله يا الله يا غياث المستغيثين! ونحن نجيبه لبيك لبيك! وتوجهنا نحو الصوت فألفينا هذا الرجل غريقًا في آخر رمق من الحياة، فأخرجناه من البحر وسألناه عن حاله فقال: كنا مقلعين من إفريقية فغرقت سفينتنا منذ أيام، وما زلت أسبح حتى وجدت الموت فلم أشعر إلا بالغوث من ناحيتكم، فسبحان من أسهر سلطانًا وأرق جبارًا في قصره لغريق في البحر وظلمة الوحشة حتى استخرجه من تلك الظلمات الثلاث: ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الوحشة، لا إله إلا أنت سبحانك يا أرحم الراحمين! وأخبرني رجل كان إمام المسجد الجامع بالإسكندرية قال: كنت بصقلية أيام فتنة العدو، فزحفت إلينا في البحر سفن تقارب ثلثمائة سفينة وأرست في الساحل، فرأينا أمرًا مهولًا وفينا الشيخ الصالح الزاهد العابد ابن السميطار، فلجأ الناس إليه واستجمعوا حوله يتبركون به وينتظرون الفرج على يديه، قال فنظر إلى السماء حينًا ثم سجد وعفر خديه بالأرض يقلبهما يمينًا وشمالًا، قال فوالله ما برحنا حتى هبت ريح مزقتها كل ممزق فلم يجتمع منها اثنان.
وأخبرني أبو القاسم بن هائل رحمه الله تعالى قال: كنت في طريق الحجاز فعطش الناس في مفازة تبوك، فنفذ الماء ولم يوجد إلا عند صاحب لي جمال، فجعل يبيعه بالدنانير بأرفع الأثمان فجاء رجل كان موسومًا بالصلاح عليه قطعة نطع يحمل ركوة، ومعه شيء من دقيق فتشفع بي إلى الجمال أن يبيعه الماء بذلك الدقيق، فكلمته فأبى علي ثم عاودته فأبى. قال: فبسط الرجل النطع ونثر عليه الدقيق ثم رمق السماء بطرفه وقال: إلهي أنا عبدك وهذا دقيقك ولا أملك غيره، وقد أبى أن يقبله. ثم ضرب بيده النطع وقال: وعزتك وجلالك لا برحت حتى أشرب! فوالله ما تفرقنا حتى نشأ السحاب وأمطر في الحين فشرب الماء ولم يبرح. فكان كما قال النبي ﷺ: رب ذي طمرين لا يؤبه له مطروح بالأبواب لو أقسم على الله لأبره.
وأخبرني شيخ ممن كان يصحب العلماء بالقيروان يقال له جرير قال: أخبرني عبد الكافي الديباجي قال: رأيت بالقيروان آية عظيمة، وذلك أن رجلًا جاء بصبي له قد أسكت منذ أيام لا يتكلم، فدخل به إلى الفقيه أبي بكر بن عبد الرحمن وقال له: إن ابني هذا قد أسكت منذ أيام ولم يتكلم، فادع الله أن يفرج ما نزل به، قال فدعا الشيخ ساعة ثم مسح على وجه الصبي فاستفاق الصبي فقال له: قل لا إله إلا الله. فقال الصبي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله! ثم التفت إلى الرجل وقال: اكتم هذا علي إلى الموت، ثم التفت إلى جاريته وقال: اكتمي هذه علي إلى الموت وأنت حرة لوجه الله تعالى. فلما كان يوم توفى الشيخ أبو بكر واجتمع الناس لجنازته وتكاثرت الأمم قام الرجل فاستنصت الناس فسكتوا فقال: يا أهل القيروان اسمعوا قصتي مع هذا الشيخ وساق الحديث كما ذكر.
وحدثني هذا الشيخ قال: نزلت عندنا بالقيروان قصة لم يسمع بمثلها في السالفين، وذلك أن بعض الجزارين أضجع كبشا ليذبحه، فتخبط بين يديه وأفلت منه وذهب، فقام الجزار يطلبه
1 / 165