Sinima da Falsafa
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Nau'ikan
يصور فيلم «المصفوفة» (1999) اكتشاف نيو للحياة خارج المصفوفة، والحرب المشتعلة بين البشر الذين تحرروا من الحجيرات، والآلات التي خلقت المصفوفة وتتحكم بها. لكن كيف ننظر إلى الحياة داخل المصفوفة: العالم الافتراضي الذي قضى نيو داخله حياته كلها؟ كيف نفهم العلاقة بين العالمين؟ هل عالم منهما حقيقي، بينما الآخر مجرد قشرة فارغة أو وهم؟ هل نيو خارج المصفوفة أكثر اتصالا بالواقع عما كان داخل المصفوفة (قبل أن يتناول حبة الدواء، وقبل أن يتقن التنقل ذهابا وإيابا بين العالمين)؟ عندما نطرح تلك الأسئلة الجوهرية حول طبيعة الواقع فنحن نطرح مسألة أساسية في الميتافيزيقا، ألا وهي مسألة علم الوجود (الأنطولوجيا). وهو فرع من الميتافيزيقا يسعى للإجابة عن أسئلة من قبيل «ما الموجود؟» و«ما الحقيقي؟» وينشغل بالأسئلة التي تتناول أنواع الأشياء الموجودة وطبيعتها.
سوف نعرض الدراسة الفلسفية لعلم الوجود عبر طرح مثال. هل العقل موجود؟ ربما يبدو وجوده أمرا جليا؛ لذا دعونا نطرح سؤالا مختلفا قليلا. إذا وضعنا قائمة تضم جميع الموجودات، ولم نذكر على الإطلاق العقل والحالات العقلية؛ مثل القصد والاعتقاد والأمل والحب والخوف والبهجة، هل ستصبح هذه القائمة غير مكتملة؟ قد تتضمن القائمة الدماغ وكل ما يدور داخله وكل ما يتفاعل معه، لكنها لن تتضمن فحسب أي ذكر محدد للعقل. فلتفترض على سبيل المثال أنك رأيت شخصين يتجادلان في الشارع؛ قد تتضمن قائمتنا: الشخصين وما يحدثانه من ضجيج، والأسباب المباشرة لهذا الضجيج؛ ألا وهي المسارات العصبية التي ترسل تعليمات إلى الأحبال الصوتية ... إلخ. لكنها لن تذكر حقيقة أن الشخص الأول قد نسي موعدا مع الشخص الثاني، والشخص الثاني يعتقد بأن هذا النسيان علامة واضحة على أن الشخص الأول لا يحبه، أو لا يحبه بالقدر الكافي. إذا كنت تعتقد أن هذا النوع من التفسيرات النفسية المنطقية يمكن مبدئيا الاستعاضة عنه بكلام أكثر تحديدا أو أكثر التزاما بالمعايير العلمية - لا لأسباب عملية بل لأسباب توضيحية - فإنك ترفض فكرة العقل كموجود أولي من منظور علم الوجود. ربما تعتقد أن العالم يتكون من جزيئات في الزمكان، وأن كل ما يحدث في العالم يمكن تفسيره، مبدئيا، من منظور ما يحدث لتلك الجزيئات. وفي هذه الحالة، قد تصبح شخصا يعتنق وجهة نظر اختزالية عن العقل، أو ربما تكون شخصا يعتنق وجهة نظر إقصائية حول العقل. تلك مصطلحات فلسفية متخصصة، سنعرضها فيما يلي عرضا أبسط.
يعتقد صاحب وجهة النظر الاختزالية أننا عندما نتحدث عن العقول والحالات العقلية، فإن اللغة التي نستخدمها تلتقط في الواقع حقائق حول شيء آخر؛ قد تلتقط حقائق حول الدماغ وأنشطته، وربما تلتقط حقائق حول الدماغ وتفاعلاته مع بيئته (التي تتضمن الجسد الذي يحوي الدماغ وما يحيط بهذا الجسد والأجساد الأخرى والأدمغة الأخرى). ربما تلتقط أيضا أنواعا أخرى من الحقائق. إذا كان الاختزاليون على حق، فيمكن، لأغراض توضيحية، الاستعاضة عن الحديث عن العقل بالحديث عن أشياء أخرى. يعني هذا أننا لا نعتقد من منظور علم الوجود بوجود العقل كفئة خاصة منفصلة؛ فالعقول، من المنظور الاختزالي، ليست موجودا أوليا. وبما أن الحديث عن العقل يمكن اختزاله في الحديث عن أشياء أخرى، فإن العقول لا توجد إلا كجانب من طبيعة الأشياء الأخرى.
على صعيد آخر، يرى أصحاب وجهة النظر الإقصائية أننا عندما نتحدث عن العقل نطرح نظرية زائفة في الأساس عن العالم. هم يعتقدون أنه يجب علينا الاستعاضة عن الحديث عن العقل بحديث أكثر التزاما بالمعايير العلمية، كحديث عن تنشيط المسارات العصبية مثلا. إذا كان الإقصائيون على حق، فإن الحديث عن العقل وخصائصه المميزة لا يشير إلى أي شيء حقيقي أكثر مما يشير الحديث عن الساحرات وخصائصهن المميزة. لا يوجد شيء بهذا العالم يتمتع بالخصائص الأساسية التي ننسبها إلى الساحرات؛ لذا لا وجود للساحرات. حسب المنظور الإقصائي، لا يوجد شيء في هذا العالم يتمتع بالخصائص الأساسية التي نعزوها إلى العقل؛ لذا فالعقل غير موجود. يؤمن الاختزاليون بوجود العقل، لكنهم لا يعتقدون أنه موجود أولي وفقا لعلم الوجود. أما الإقصائيون فلا يعتقدون (كما يتبدى من كلامهم) بوجود ما يدعى عقلا من الأساس.
يعرف الفلاسفة الذين يعتقدون أن العقل موجود أولي باسم الثنائيين.
2
ويؤمنون بعلم وجود أولي يتكون من نوعين من الأشياء على الأقل: العقول والأجسام المادية.
3
كما قد تتوقع، تنحو المسائل المتعلقة بعلم الوجود منحى معقدا نسبيا بسرعة إلى حد ما؛ فالعقول ومكانها في علم الوجود ليست سوى بعض من المسائل التي تشغلنا، فهناك أيضا الأجسام المادية (الأشجار والسحب والجبال، والدراجات النارية ... إلخ) والأجسام الرياضية (الأرقام والمجموعات والأشكال الهندسية؛ أي الأشياء التي لا تبدو مادية أو عقلية كذلك). وعلاوة على ذلك توجد أنواع أو فئات من الأشياء ذات وضع غير واضح أو محل خلاف من منظور علم الوجود؛ أشياء مثل العوالم المحتملة والمكان والزمان والآلهة وغيرها. ستجد أيضا فلاسفة يتجادلون حول فئات ميتافيزيقية أولية. هل العموميات (الصفات العامة المشتركة) موجودة؟ (كأن تصف شيئا مثلا بأن «كتلته تزن جراما واحدا بالضبط» أي صفات ملازمة للأشياء وحاضرة كليا في الشيء الذي تلازمه؛ ومن ثم توجد وجودا كليا في عدة أماكن في الوقت نفسه.) هل العموميات المجردة موجودة؟ (وهي عموميات سيئة الحظ، لم تتمكن من ملازمة أي شيء في عالم الواقع.) هل علم الوجود الأولي للعالم يتضمن الأشياء؟ أم يتضمن الأوضاع أو الأحداث فحسب؟ أم هل يتكون من شيء آخر تماما؟ (الأشياء تكون ببساطة على النحو الذي تتوقعه، الأوضاع هي الحال التي عليها الأشياء، والأحداث هي ما يقع لها. على سبيل المثال، السيارة شيء، وكون السيارة حمراء، ذلك وضعها. كون السيارة تمتص الآن جميع ترددات الضوء المرئية باستثناء الأحمر هو ما يحدث لها.)
انشغل الفلاسفة بمحاولة فهم علم الوجود الأولي للعالم. كيف تستطيع ثلاثية «المصفوفة» إنارة أذهاننا فيما يخص هذا الفرع من الفلسفة؟ إنها تقدم لنا ما يشبه مختبرا لفحص مسائل علم الوجود، أو بعبارة أخرى نموذج اختبار خياليا يمكننا من بحث مسألة تحديد المفهوم الأكثر عقلانية لعلم الوجود، وطرح أسئلة عن طبيعة الواقع والعلاقة بين الفكر والواقع. سوف نشرع في تناول هذه القضية عبر تحديد ثلاثة تفسيرات مختلفة لسيناريو «المصفوفة»: التفسير الديكارتي، والتفسير الواقعي، والتفسير الأفلاطوني.
Shafi da ba'a sani ba