Silsilat Al-Adab - Al-Munjid
سلسلة الآداب - المنجد
Nau'ikan
حكم السواك
وقوله: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم) فانتفى الأمر لثبوت المشقة؛ لأن (لولا) في اللغة حرف امتناع لوجود، فامتنع الوجوب، لوجود المشقة، فهذه (لولا) في اللغة حرف امتناع لوجود، أي: يمتنع شيء لوجود شيء آخر لولا كذا لحصل كذا.
وهذا فيه دليل على أن السواك في الأصل ليس بواجب؛ لأن المشقة في إيجابه نفت وجوبه، إذ الندب في هذه الحالة هو المفهوم.
وقوله في حديث آخر: (لفرضت عليهم) بدل (لأمرتهم) يبين هذا، قال الشافعي رحمه الله تعالى: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجبًا لأمرهم، شق عليهم به أو لم يشق.
إذًا: القول بعدم وجوبه صار قول أكثر أهل العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب لكل صلاة.
عند الصلاة يكون واجبًا، وعن داود الظاهري أنه واجب للصلاة ولكنه ليس شرطًا، وأما إسحاق فإنه قال: هو شرط، واحتج من قال بوجوبه بالأمر به، كما جاء في حديث ابن ماجة: (تسوكوا) وفي الموطأ: (عليكم بالسواك) لكن قال ابن حجر ﵀: ولا يثبت منها شيء.
أي: هذه الأوامر لم تثبت في أحاديث صحيحة.
إذًا: القول بالندب هو قول المذاهب الأربعة، وأما من قال بالوجوب كـ إسحاق وداود، واحتج بظاهر الحديث فليس قوله بقوي.
ومن العلماء من قال بكراهته للصائم بعد الزوال، أي: إذا استاك الصائم بعد الزوال، كما هو عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، ولكن هذا القول ليس بقوي، وأكثر العلماء -وهو التحقيق- أنه لا يكره في الصيام لا قبل الزوال ولا بعد الزوال، وعمدة الذين يقولون بالكراهة بعد الزوال قالوا: لأنه يزيل الخلوف الذي هو من مميزات الصائم، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
فأجيب عن هذا: بأن هذا الخلوف من خلو المعدة، والسواك لا يزيل ما يخرج من المعدة ولا يدخل المعدة، فمصدر الخلوف من المعدة، وهذا السواك للأسنان، فهو يزيل وسخ الأسنان ولا يزيل الخلوف الذي بسبب خلو المعدة من الطعام.
ثم استدل بعضهم بقوله: (عند كل صلاة) على استحبابه للفرائض والنوافل؛ لأن قوله: (عند كل صلاة) يشمل كل الصلوات، الفريضة والنافلة، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعًا لغيرها، بمعنى: أنه إذا كان قبل الظهر أربع وبعدها اثنتان، فيصليها مباشرة، فالسواك لهذه كلها واحد، فيتسوك سواكًا واحدًا للصلاة في السنة الراتبة والفريضة والسنة التي بعدها، وكذلك سنة المغرب لا تحتاج إلى سواك منفصل، وسنة العشاء، لكن هب أن هناك سنة منفصلة عن الفرض لا علاقة لها به، مثل صلاة العيد، فعند ذلك يكون السواك لها وجيهًا؛ لأنها صلاة نافلة ليست تبعًا لغيرها.
وجاء في رواية عند أحمد: (لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون) وفي رواية: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك) فسوى بينهما.
وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا إذا طال الفصل كما قال بعضهم، أو قالوا: لا يندب الوضوء إلا إذا دخل وقت الصلاة الجديدة؛ فلذلك لا يندب أن تتوضأ إذا لم ينتقض وضوءك بعد الظهر مثلًا إلا إذا دخل وقت صلاة العصر، فعند ذلك يكون تجديد الوضوء سنة ومستحبًا، ولا يشرع لك ولا يندب أن تجدد الوضوء من غير ناقض داخل وقت الصلاة الواحدة.
فإذا ربطنا السواك بالوضوء سنخرج بنتيجة أيضًا: أن السواك للصلاة الفريضة وما يتبعها من تحية المسجد والسنن النوافل -مثلًا- لا يندب كالوضوء، ويمكن أن يقال: إن الوضوء أشق من السواك.
وقد جاء عند ابن ماجة من حديث ابن عباس: (كان رسول الله ﷺ يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك) وإسناده صحيح، لكن هذا بالبحث -كما ذكر ابن حجر ﵀ يتضح أنه مختصر من حديث طويلٍ رواه أبو داود، بين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نومٌ، أي: أن حديث ابن ماجة المذكور هنا: (كان رسول الله ﷺ يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك) فيه اختصار من حديثٍ آخر يبين أنه تخلل الانصراف من الركعتين والسواك نوم، فلما قام من النوم صار هناك وجاهة للسواك، كما أنه إذا قام من النوم سيتوضأ.
6 / 3