اعلم يا بني، أنك في غرة اجتماع الشهوات، وقاموس دواعي اللذات، وعباب صولة الشيطان، نعوذ بالله منه، وقوة مضرة النفس المركبة في إلانسان، وارتفاع منار الهوى، وشدة اضطراب الأهواء، وضعف العقل المانع، وخور الحجا الوازع، والأخطار العظيمة، والمخاوف الظاهرة الجسيمة، سيما في هذا الزمان، فإن الخير قد خلق، إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وأنت الآن بين أمرين، إن صنت نفسك عن الهلاك وزممتها بعنان الإمساك، وقد عتها عن الزلل والارتباك، فعسى أن تفوز بالحظ الأسنى، وتنال من الله الزيادة والحسنى، ويرجى لك مع ذلك ما يرجى للأبرار، وتعد في جملة المصطفين الأخيار، وإذا انتفعت في نفسك فربما (نفع) (1) الله بك غير ك بدعاء يستجاب، وعمل يستطاب، وشفاعة مقبولة، ونفاعة مبذولة، وإن أوردت نفسك موارد التلف، ولم تصنها عما نزهها آباؤك (و)(2) فضلاء السلف، وصمت أذناك عن أمور الآخرة، وعميت (عينك)(3) عن العترة الطاهرة، وهشت حواسك إلى جنا أمانيها، ولم تعرج بين محاسنها ومساوئها وانجعفت(4) في ميدان اللهو العتيد حتى{جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} فاغرس يا بني، كلامي هذا في صدرك، واستثمره في عسرك ويسرك، واستصبح به في ديجور أمرك، وعليك بطلب العلم وحفظه ودراسته ليلا ونهارا فإنه رأس الخصال الدينية، فاجعل العلم رأس مالك وأقبل عليه بكلك، ولا تجعل(له) (5) معه شريكا فإن حصوله على خطر مع الاستبداد، فكيف مع المشاركة، ولا دين لمن لا عمل له، ولا عمل لمن لا علم له، ولا إخلاص لمن لا ورع له، ثم التيقض في المحاورة ، والمكاتبة والمراسلة، ثم اكتساب خصال الخير كلها لا تطرح شيئا منها، فأنت من منصب شريف، ومحتد منيف، (وصن) (6) نفسك عن مساوئ الأخلاق، وارفعها عن أن ترفع إلى الدني من الطباق، وكن ذكي الباطن، نابه الفكرة، مانع الرؤية، حاضر الجواب، سالم الارتياب، صحيح الأركان والمباني، حلو المعاطف والمجاني، محسن إلى القريب والبعيد، مولع بكل عبد منيب، وقد صدق الله ظنه في ولده، وقوى فراسته في فلذة كبده، الولد سر أبيه، قد صار إماما، وللحق حساما، وسيما للدين، وسراجا وهاجا للمسلمين.
أعاد الله علي وعلى السامع من بركات آل محمد الطاهرين، وحشرنا في زمرة أبيهم خاتم النبيين، وأدخلنا في شفاعته ، وأحيانا على سنته وأماتنا على ملته، والحمد لله على التوفيق (لمحبة) (1) آل محمد والاقتداء بهم.
وأما شيخه الفقيه الإمام حاتم بن منصور الحملاني رضي الله عنه، وأرضاه وأعاد من بركاته، فهو كما وصفت في أول الكتاب إماما من أئمة الشريعة المحمدية، وسيدا لأهل العبادة، وقدوة لمن أراد الزهادة، وغيثا لمن أمه من أهل الفقر والفاقة، كان زميلا في درس العلوم (للإمام) (2) المؤيد بالله ذي العزة يحيى بن حمزة (ع)، وكان شيخهما في العلوم، وقدوتهما في طاعة الحي القيوم الفقيه الإمام، وتد زمانه، وغوث أو أنه محمد (بن يحيى) (3) بن خليفة(4) بهجرة حوث حرسها الله بالصالحين، وكان شيخ محمد بن خليفة(رضي الله عنه)(5) السيد الإمام، الصوام، القوام، المتنزه عن قبض الحلآل والحرام محمد بن وهاس روي أنه (ع) ما نكح، ولا ذبح، ولا فتح بابا، ولا قبض درهما حتى لقي الله تعالى، وكان هذا حاتم بن منصور رحمه الله تعالى(6) قد براه الخوف، وأنحلته العبادة حتى كان يرى كالشن من الخوف والبكاء، ما رئي على رأسه عمامة قط، وكان يلبس الثوب إلى نصف ساقه ولا يسدل الثوب في صلواته.
Shafi 194