حياتان؛ حياة صلاح وحياة إثم، لا تأتلفان في نفس واحدة.
ستهرب إذن من الخدمة - من المكاتب - من المديرين واستبدادهم، ثم ماذا؟ أتستمر في مسيرها المشين المعيب في طريق الإثم والعار؟ أفي السوق وفي القهوة تطلب رزقها؟ فكرت في ثمار ليلها، وفي الحلو والمر من كأس إثمها، فكرت فيمن أخلصت له الود وكيف يسرقها ويهينها ويضربها ويطردها من بيته، من وثقت به يخونها، ومن اشتروا جسدها يهينونها ويزدرونها. أجل، إن الشبان الذين يطاردون البنات في الأسواق، ويستغوونهم في القهاوي، لكذاك الكاتب الخائن، ولكذلك اللص توفيق زيدون، فماذا عساها تفعل؟
حياتان؛ حياة طهر وحياة عهر، لا تجتمعان في امرأة واحدة.
أتعود إذن إلى بيتها؟ أتحتمي في ظل أمها مستغفرة مسترحمة؟ إنها تخشى أمها ولا تستطيع أن تقيم وإياها. فلما كانت في البيت كان أخوها الوحيد سلواها هناك، أما وقد سافر إلى أميركا الجنوبية فقد سئمت الإقامة فيه، وخرجت غير آسفة تؤم المدينة، ناهيك بأن الإقامة في القرية لم تعد تروقها وقد ألفت العيش في المدينة.
إذن لا العمل نهارا في المكتب، ولا السير ليلا في طرق الإثم والعار، ولا الرجوع إلى البيت، فكرت لوسيل مليا في أمرها، وطنت النفس أن تظل في المدينة. أجل، تشكو توفيق زيدون إلى الشرطة، ستشكوه إلى الشرطة، ولكن الريب ملكها في كل شئونها، التردد أقعدها، الخوف قيد منها العزم والنشاط، فهي إذا شكت السوري تفضح أمرها بيدها. طال النزاع في صدرها فكاد يقتلها، وكل نزاع نفسي لا يجلو الروح والفكر يولد اليأس والقنوط، واليأس في مثل هذه الحال أشد من الإيمان قوة، وأعظم من الموت هولا.
أشهر اليأس سيفه في لوسيل، فنهضت ملبية. أجل، ستقتص بيدها من السوري اللئيم، سينال من يدها جزاء فعلاته. خمسة دولارات هي كل ما تملك، وستحسن استخدامها. قد أغلقت أبواب الرزق والفرج في وجهها، فستموت في الأقل شريفة النفس، ستموت بعد أن تذيق السوري جزاء إثمه.
لبست قبعتها وأسرعت إلى مخزن تبتاع مسدسا بالمال الذي قبضته أجرتها، وعادت إلى البيت فخاطبت زيدون بالتليفون تسأله أن يزورها تلك الليلة، ولو علمت بقصده تلك الساعة لندمت على إفسادها عمله، لو كان لها أن تراه والمسدس بيده لتركته وشأنه وشكرت ربها، ولكنها الأقدار تلعب بالناس لعب الأكر.
دخلت لوسيل مطبخها الصغير لترى ما عندها من حواضر البيت للعشاء، فوضعت إبريق الشاي على وجاق الغاز، وبينا هي تفتح علبة من الفاصوليا المطبوخة لتسخنها، قرع الجرس فراحت تفتح الباب؛ فإذا هناك رجل حياها تحية الأحباب هاتفا: «هالو» لوسيل.
وقفت لوسيل مدهوشة وهي لا تكاد تصدق نظرها. - وليم. وليم.
ورمت بنفسها عليه تعانقه، فعانقها وقبلها تكرارا. - ثم دخلت وهي آخذة بيده، فأجلسته على الديوان وجلست إلى جانبه، فقبلها وليم ثانية وهو يردد اسمها ويربت خديها.
Shafi da ba'a sani ba