فما بالك إذن بصحافة تحايد وتتفرج على مصر وأحداثها في سني كوارثها، منذ شرع الإنجليز يفتكون بروحها وثروتها، ومنذ شرع رجال الخديو الخائن توفيق ينتقمون من الوطنيين الذين انضموا إلى زعيم الشعب أحمد عرابي!
وكيف يستطيع مصري أن يحايد في شأن الاستقلال، أو وثبة سنة 1925، أو وثبة إسماعيل صدقي سنة 1930، على الدستور؟ إن معنى الحياد هنا هو الرضا بالاستبداد.
والذي نراه في تاريخ الصحافة في مصر أن جميع الصحف التي كافحت المستبدين والمستعمرين ماتت لأنها لم تقو على الحياة إزاء الضغط والظلم والتشريد وسائر المظالم التي عومل بها أصحابها.
وأعظم مثال للصحيفة المكافحة في بلادنا هو اللواء الذي أسسه مصطفى كامل وأشرف على تحريره، وكان اللواء صحيفة ودعاية وكفاحا، اندغمت حياة صاحبه فيه، وكانت حياة الكفاح لاستقلال الوطن، وكان كفاحا مرا انتهي بموت مصطفى كامل وهو دون الثانية والثلاثين، وكان موته أقرب إلى القتل العنيف منه إلى الموت الهادئ، لفرط ما كابد من مرارة هذا الكفاح.
ظهر اللواء في 1900 فكان منبرا نقرأ فيه كل يوم خطبة بقلم مصطفى كامل بشأن الاستقلال، ولم يكن الشعب يقرأ هذه الخطبة اليومية، وإنما كان يتلقنها، ويتحفظ معانيها، ويتأمل مستقبله إزاء هذه المعاني، فكان منها بعث الوعي الوطني.
كانت صحيفة اللواء تحث الشعب على المطالبة بالاستقلال، وكانت أيضا تطالب بالإصلاح داخل البلاد؟ انظر إلى ما يقول في عدد 16 نوفمبر من 1940 بشأن الحكم الدستوري:
وعندي أن هذه الأدوار المختلفة والأدواء المتنوعة دالة كلها على شدة حاجة هذه البلاد إلى مجلس نيابي تكون له السلطة التشريعية الكبرى، فلا يسن قانون بغير إرادته، ولا تحور مادة إلا بمشيئته، ولا يزعزع نظام بغير أمره، ولا تعلو كلمة على كلمته، وإلا فإن بقاء السلطة المطلقة في يد رجل واحد سواء كان مصريا أو أجنبيا يضر بالبلاد كثيرا ويجر عليها الوبال.
وكتب تحت عنوان «إنشاء مجلس نيابي» في عدد 9 مارس سنة 1904 من اللواء ما يأتي:
لعل قراء اللواء وغيرهم من أفراد الأمة المصرية يذكرون ما قلناه من فوق المنابر وكتبناه في هذه الجريدة وغيرها عن وجوب إنشاء مجلس نيابي منذ عشر سنوات كاملات، ويسرهم كما سرنا أن هذا المطلب العزيز صار على ألسنة الكثيرين من أهل القطر، لأنه الأنشودة التي يجب أن يترنم بها المصريون بعد طلب الاستقلال، وسواء كان سابقا أو لاحقا لتخلص البلاد من رق الاحتلال؛ فإنه الضمانة الوحيدة والكفالة الصحيحة لسلامة القوانين والحرية الخاصة والعامة.
إلى أن قال:
Shafi da ba'a sani ba