الحجبيِّ وأمانته، فلم يبق عند ذلك فرقة من فرق المسلمين، ولا جماعة من الصالحين، ولا أحد من الفقراء المساكين، إلا دعا لأمير المؤمنين بطول البقاء، ثم دعوا لك يا أبا علي بأفضل الدعاء، ونشروا عنك أحسن الثناء، لما ساقه الله إليهم بسببك وجعله بيمن مؤازرتك، وأجراه لهم على لسانك ويدك، ولما أخذ الحجبي فيهم من ورائك فإنا قد عرفناه بالرفق الذي ليس معه ضعف وبالشِّدَّة التي ليس معها عنف، وبالجد الذي لا يخالطه هزل، ثم هو مع ذلك قليل الغفلة شديد التهمة، لا يتكل على كتابه ولا يفوض أمره إلى أمنائه، ولا يطمئن إلى جلسائه حتى يتفقد الأشياء بنفسه فيورد ما حضر منها على عينه ويصدر ما غاب عنه منها على علمه، لا يمنعه من مطالبة الصغير مزاولة الكبير، قد أحكم السياسة ورسخ في التدبير، فأشد الناس خوفًا لغضبه أرجاهم جميعًا لمثوبته، وأقلهم أمانًا لعقوبته أطولهم لزومًا لمجالسته، قد أشغل كلا بنفسه فأقبل كل على شأنه فليس أحد يجاوز حده ولا يعدو قدره، ولا يتكلم إلا فيما يعنيه، ولسنا نراه بحمد الله يزداد في كل يوم إلا شدة ولا تزداد الأمور معه إلا إحكامًا فليس لمغتاب إليه سبيل ولا لمنتقص معه طمع. والسلام.
وله إلى الحجبي - وكان نهاه عن التعرض للوزراء ولأهل العراق: أما بعد فإنك كتبت إلي تنهاني عن السلطان وعن قربه ولست اعتذر إليك في ذلك، إن دعاني السلطان سارعت، وإن بطأ عني تعرضت، فإن كان الله ﵎ أحل لك خدمة أمير المؤمنين ومنادمة الفضل ومسامرة جعفر وأباح لك أن تأخذ من أمولهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وحرم عليَّ مكاتبة الشرط ومراسلة البرد والتخدُّم للخصيان والتعرض للدايات وحضر عليَّ من أموالهم ما أسد به الفورة وأواري به العورة فأنا الهالك وأنت الناجي، وإن لم يكن الأمر على ذلك وكان لكل امريء منا ما اكتسب من الإثم فأنت الذي تولى كبره منهم، وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه والسلام.
1 / 63