Siddiqa Bint Siddiq
الصديقة بنت الصديق
Nau'ikan
إنما هي حملة تهويل إلى المقاسمة في الأمر على وجه من الوجوه التي أشاروا إليها قبل مفارقتهم المدينة: فيتولى بعضهم العراق وبعضهم اليمن، ويصبح الأمر شركة أو «شورى» بينهم وبين الخليفة، على قولهم الذي عبروا به عن طلب الولاية في بعض الأحاديث بينهم وبينه.
وفهم الحملة كلها على هذا الوجه أقرب ما نراه لفهم السيدة عائشة في موقفها من القتال ومن السياسة العامة على الإجمال.
نعم، إن فهم مأساة الجمل هي وسيلتنا إلى فهم السيدة عائشة؛ لأننا نعرف مصادرها ومواردها ومبلغ الأخطار المنظورة من ورائها عند الهجوم عليها، فنعرف النية التي جنحت بالسيدة عائشة إلى الدخول فيها، وهي كل ما يعنينا من تاريخ تلك المأساة في هذا السياق.
والذي يبدو لنا من تلك الحوادث التي لخصناها فيما تقدم أن مأساة الجمل لم تكن عند السيدة عائشة إلا دفعة من دفعات الحدة التي طبعت عليها، قدحتها المفاجأة وأوقدتها كثرة المغريات بعداوة علي في بيئة لم يرتفع فيها صوت لغير أعدائه، ومهدت لها حوادث الماضي تمهيدها الذي رسم لها الوجهة، واندفع بها عن هذه الخطة دون غيرها.
فمن تمهيد الحوادث الماضية أن طلحة والزبير وعليا لم يكونوا غرباء عن السيدة عائشة، ولم تكن هي غريبة عنهم بميولها وسوابق شعورها.
فطلحة من بني عمومتها، ومن بني تيم قبيلتها وقبيلة الخليفة الأول أبيها.
والزبير زوج أختها أسماء، وابنه عبد الله ابنها الذي اختارته لكنيتها في بعض الروايات، فكانت تكنى من أجله بأم عبد الله.
وعلي أقرب الناس إلى بيت النبي وزوج ابنته وأبو حفيديه، وصاحب الرأي الذي لا ينسى في حديث الإفك، وهو نصيحته للنبي بتطليقها.
ومن الحق أن نقول إن الشعور الذي تكنه السيدة عائشة لعلي من جراء هذه النصيحة شعور طبيعي لا غرابة فيه.
فلا ريب أن عليا - رضي الله عنه - قد أخطأه التوفيق في تلك النصيحة؛ إذ لم يكن من الإنصاف أن تطلق عائشة لشبهة لغط بها المنافقون وطلاب الوقيعة بين النبي وأصحابه، ولن يفهم الناس من تطليقها إلا أن النبي قد أدانها وأنف من معاشرتها، ولن يصيبها ذلك وحدها، بل يلصق بها وبأبيها وآلها وصمة لا تمحى في زمانها ولا بعد زمانها، وقد يتعدى الأمر عائشة وآلها إلى الإسلام كله فيتخذ المنافقون من صدق حديثهم الذي أفكوا به مطعنا في صدق الدين ونبيه، وهذا كله إلى أن الإدانة بمثل تلك الشبهة لا توافق التحرز الشديد الذي قضى به الدين في هذه القضايا ولو مست من هن دون عائشة في القدر والثقة. فما نحسب عليا قد سها عن هذا كله وهو ينصح إلى النبي بتلك النصيحة إلا لفرط الغيرة على تنزيه سمعة النبي وبيته، واستكباره في هذا الصدد أن يقال ما يقال، ولو لم يكن ثم برهان على ما قيل.
Shafi da ba'a sani ba