وعاد العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وعاد الناس معه إلا من أحب المقام، وكتب العلاء إلى أبي بكر بنصره، وأقام بالبحرين وقد قضى على الردة فيها، من ثم لم يكن يخشى شيئا إلا غارة قبائل البادية التي ألفت الغزو للسلب، ودسائس الفرس الذين تقلص نفوذهم في جنوب شبه الجزيرة، على أنه كان مطمئنا من هذه الناحية؛ إذ انضم إليه قبل ذهابه إلى دارين من قبائل البحرين ومن الأبناء من كفوه مئونة ما يخشى. وكان عتيبة بن النهاس والمثنى بن حارثة الشيباني على رأس المنضمين إليه، وقد قعدوا بكل طريق للمنهزمين والذين يعيثون في الأرض فسادا، بل لقد تابع المثنى السير على شاطئ الخليج الفارسي يقاوم دسائس الفرس ويقضي على أنصارهم من القبائل ومن الأبناء حتى بلغ مصب الفرات، فكان لبلوغه هذا المصب ولاتصاله بأرض العراق ولدعوته إلى الإسلام هناك أثر لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنه كان المقدمة لفتح العراق. •••
لسنا نسبق الحوادث بالكلام عن هذا الفتح، وما لنا نفعل وعمان تجاور البحرين، وشأن الردة فيها ليس أقل استغلاظا منه في غيرها! فلنتابع جيوش المسلمين إليها حتى تثوب وتنيب هي كذلك.
كانت عمان على عهد النبي تابعة لفارس، وكان جيفر أميرا عليها، وقد بعث النبي عمرو بن العاص يدعوه إلى الإسلام، ولما أبدى جيفر مخافته أن يتمرد قومه على الزكاة يدفعونها إلى المدينة، اتفق عمرو معه على أن تقسم بين فقراء بلاده، وأقام عمرو بين القوم، حتى إذ ارتدوا إثر وفاة النبي فر عائدا إلى المدينة، وفر جيفر إلى الجبال فاعتصم بها.
وكان قائد الثورة بالردة في عمان ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، وقد ادعى من النبوة ما ادعى غيره، وكان أبو بكر قد وجه حذيفة بن محصن الغلفاني من حمير إلى عمان ووجه عرفجة بن هرثمة البارقي من الأزد إلى مهرة، وأمرهما أن يسيرا معا وأن يبدآ بعمان فتكون القيادة فيها لحذيفة، وأن يثنيا بمهرة فتكون القيادة فيها لعرفجة، وأنت تذكر أن عكرمة بن أبي جهل كانت وجهته اليمامة، وأنه لم ينتظر شرحبيل بن حسنة يعاونه، بل أسرع بلقاء مسيلمة ليعود بفخار النصر فرده مسيلمة هزيما، وأنت تذكر كذلك أن أبا بكر أبى على عكرمة أن يعود إلى المدينة، وأمره أن يلحق بعمان يعين حذيفة وعرفجة على أهلها ... وقد أبلغ أبو بكر هذا الأمر إلى هذين القائدين، وعهدا إليهما أن ينتهيا إلى رأي عكرمة، وأسرع عكرمة فأدرك القائدين قبل أن يبلغا عمان، وتشاور وإياهما، فراسلوا جيفرا وأخاه عبادا
2
حيث كان معتصمين، وطلبوا إليهما أن ينضما مع أصحابهما إليهم.
وبلغ لقيطا مجيء فجمع جموعه وعسكر بدبا، وخرج جيفر وعباد ومن معهما إلى صحار وبعثا إلى عكرمة وصاحبيه فقدموا عليهم بها، والتقى الجيشان بدبا في معركة حامية الوطيس كاد الظفر يتوج فيها لقيطا وأصحابه، وإنهم لكذلك، وإن المسلمين ليضطربون ويتمشى الخلل في صفوفهم؛ إذ أقبل عليهم مدد عظيم من بني عبد القيس ومن غيرهم من قبائل البحرين حمى ظهرهم وشد أزرهم وضاعف قوتهم ودفعهم يهاجمون لقيطا ومن معه ويركبونهم ويقتلون منهم عشرة آلاف، ويسبون نساءهم وأبناءهم، ويقتسمون بينهم أموالهم، بذلك تمت كلمة ربك في عمان، واستقر للمسلمين فيها الأمر.
وأقام حذيفة بعمان يوطئ الأمور ويسكن الناس، وسار عرفجة إلى المدينة يسوق خمس الغنائم إلى أبي بكر، أما عكرمة فمضى في جيشه إلى مهرة ليرد الأمر فيها إلى نصابه، وليعيد إليها كلمة الإسلام. •••
ترك عكرمة حذيفة بعمان، أقصى الشرق من جنوب شبه الجزيرة، وسار غربا إلى مهرة حيث ارتد الناس، سار في جيش لجب تضاعف عدده بانضمام رجال القبائل التي عادت إلى الإسلام بعد أن بهرهم نصره، وبلغ مهرة فألفى جمعين مختلفين يدعو كل منهما الآخر أن يذعن لرياسته، وقد اختار عكرمة أضعف الجمعين وأقلهما عددا، فدعاهم الرجوع إلى الإسلام فأسرعوا إلى دعوته، وخرج عكرمة في جيشه وفيمن رجع إلى الحق من أهل مهرة، فلقوا الجمع الآخر واقتتلوا أشد من قتال دبا، وانتصر المسلمون فقتلوا وأسروا وغنموا، وكان فيما غنموا ألفا نجيبة.
وبعث عكرمة الخمس إلى أبي بكر مع رئيس الجمع الذي حالفه، ثم أقام زمنا لتسكين الناس، فلما سكنوا واطمأن الأمن وعاد النظام، خرج في جيشه الذي ازداد كرة أخرى أضعافا مضاعفة بمن انضم إليه من أهل مهرة، وسار يلقى المهاجر بن أبي أمية المخزومي تنفيذا لأمر الخليفة حتى يتعاون معه على رد الأمر إلى الإسلام في اليمن وفي حضرموت. •••
Shafi da ba'a sani ba