أقر حشا امرئ القيس بن حجر
بنو تيم، مصابيح الظلام
ولهذا البيت سمي بنو تيم «مصابيح الظلام».
على أن ما تنسبه الروايات المختلفة لبني تيم من الصفات لا يختلف عما ينسب لغيرها من القبائل، ولا يميزها لذلك بطابع خاص يفيد المؤرخ أو يدل على صفة بذاتها فيمن ينسب إليها، فهذه الروايات تنسب إلى تيم من صفات الشجاعة والكرم والمروءة والنجدة وحماية الجار وما إليها ما تشترك القبائل العربية التي تعيش تحت سماء شبه الجزيرة في التمدح به والانتساب إليه.
لهذا لم يقف مؤرخو أبي بكر عند قبيلته أكثر مما ذكرت؛ وإنما بدءوا روايتهم بذكره وذكر أبويه، ثم تخطوا طفولته وصباه إلى شبابه وإلى ما كان يزاوله فيه من عمل، ذكروا أن اسمه عبد الله بن أبي قحافة، وأن أبا قحافة أبوه، واسمه عثمان بن عامر، وأن أم الخير أمه، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر، وروي أنه كان يدعى قبل الإسلام عبد الكعبة، فلما أسلم دعاه رسول الله عبد الله، وقيل إنه كان يسمى عتيقا؛ لأنه لم يكن يعيش لأمه ولد، فنذرت أمه إن ولد لها ولد أن تسميه عبد الكعبة، وتتصدق به عليها، فلما عاش أبو بكر وشب سمي عتيقا، كأنه أعتق من الموت، على أن الرواة يذهبون إلى أن عتيقا لم يكن اسمه وإنما كان لقبا غلب عليه لبياض لونه، وتذهب رواية أخرى إلى أن عائشة ابنته سئلت: لم سمي أبو بكر عتيقا؟ فقالت: نظر إليه رسول الله فقال: هذا عتيق الله من النار، أو لأن أبا بكر أقبل يوما ومعه طائفة من أصحابه فقال رسول الله: «من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا.» أما كنية أبي بكر التي لزمته حياته فلم تذكر الروايات سببها، وإن ذكر بعض المتأخرين استنباطا أنه كني بها؛ لأنه بكر بالإسلام قبل غيره.
وقد عاش أبو بكر في طفولته وصباه عيش أمثاله بمكة، فلما تخطى الصبا إلى الشباب عمل في التجارة بزازا يبيع الثياب، فوفق كل التوفيق، وقد تزوج صدر شبابه من قتيلة بنت عبد العزى، فولدت له عبد الله وأسماء، وأسماء هي التي لقبت من بعد ذات النطاقين، وتزوج بعد قتيلة أم رومان بنت عامر بن عويمر، فاستولدها عبد الرحمن وعائشة، ثم تزوج بالمدينة من حبيبة بنت خارجة، ثم من أسماء بنت عميس فولدت له محمدا، وكانت تجارته أثناء ذلك تزداد سعة وتزيده ربحا وثراء.
ولعل شخصه وخلقه كانا من أسباب نجاحه في هذه التجارة، فقد كان أبيض اللون، نحيفا، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، كذلك وصفته ابنته عائشة أم المؤمنين، وكان رجلا رضي الخلق، رقيق الطبع، رزينا، لا يغلبه الهوى ولا تملكه الشهوة، وكان، لرزانته وحسن رأيه ورجاحه عقله، لا يشارك قومه في كثير من عقائدهم وعاداتهم، ذكرت عائشة أنه لم يشرب خمرا في جاهلية ولا إسلام، هذا على ما كان من حب أهل مكة الخمر وإدمانهم لها، وكان نسابة، حسن الحديث، لطيف المعاشرة، وصفه ابن هشام صاحب السيرة فقال: «كان أبو بكر رجلا مألفا لقومه، محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يؤتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته.»
وكان يعيش بمكة في الحي الذي تعيش فيه خديجة بنت خويلد، ويعيش فيه التجار النابهون الذين تذهب تجارتهم في رحلتي الشتاء والصيف إلى الشام وإلى اليمن، ومقامه بهذا الحي هو الذي ربط بينه وبين محمد بروابط الألفة بعد أن تزوج محمد من خديجة وانتقل إلى دارها، وكان أبو بكر يصغر محمدا بسنتين وأشهر، وأكبر الظن أن التقارب في السن والاشتباك في العمل والاتفاق في سكينة النفس ورضا الخلق، وفي الرغبة عما تزاول قريش من عادات وعقائد - أكبر الظن أن هذا كله كان ذا أثر في مودة محمد وأبي بكر مودة يختلف الرواة إلى أي حد توثقت عراها قبل أن يبعث محمد رسولا، فقد ذكر بعضهم أنها كانت وثيقة العرى قبل البعث، وأن توثق عراها ذو أثر في سبق أبي بكر إلى الإسلام، أما غير هؤلاء فيذكرون أن صلة الرجلين لم تتوثق إلا من بعد، وأن مودتهما الأولى كانت مودة جوار وتوافق في الميول ليس غير، ولعل أصحاب هذا الرأي يؤيدونه بما عرف من حب محمد العزلة والانقطاع عن الناس سنوات طويلة قبل بعثته، فلما بعثه الله واختاره لرسالته ذكر أبا بكر ورجاحة عقله، فتحدث إليه ودعاه إلى الواحد الأحد؛ ولم يتردد أبو بكر أن أجاب داعي الله، ومن يومئذ توثقت الصلة بين الرجلين، ثم زادها صدق أبي بكر في الإيمان بمحمد ورسالته متانة وقوة، كانت عائشة تقول: «ما عقلت أبوي إلا وهما يدينان الدين، وما مر علينا يوم قط إلا ورسول الله يأتينا فيه بكرة وعشية.»
ومنذ اليوم الأول شارك أبو بكر محمدا في الدعوة لدين الله، وكان إلف قومه إياه وحبهم الجلوس إليه والاستماع لحديثه، ذا أثر في استجابة المسلمين الأولين لهذه الدعوة، فقد تابع أبا بكر على الإسلام عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، كما أسلم من بعدهم، بدعوة أبي بكر، أبو عبيدة بن الجراح وكثيرون من أهل مكة.
وقد يعجب الإنسان كيف لا يتردد أبو بكر في قبول الدعوة إلى الإسلام أول ما وجهها محمد إليه، وكيف بلغ من عدم تردده أن يقول عنه رسول الله من بعد: «ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده فيه كبوة، ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة، ما عكم
Shafi da ba'a sani ba