صلى الله عليه وسلم
لهم.»
وروايات السلف متواترة على أن رسول الله كان يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين، ومن هذا العرض في عام الوفاة عرف عبد الله بن عباس ما نسخ من القرآن وما بدل.
وما ورد في سيرة النبي يؤيد الروايات التي قدمنا، من ذلك ما روي عن إسلام عمر بن الخطاب بعد عشر سنين أو نحوها من بعث محمد، فقد هال عمر ما أحدثه الدين الجديد من فرقة بين أهل مكة اضطرت كثيرين منهم أن يهاجروا إلى الحبشة، فرأى أن يقتل محمدا لتعود إلى قريش وحدتها، فلما ذكر له نعيم بن عبد الله أن فاطمة أخت عمر وزوجها سعيد بن زيد أسلما ذهب إليهما ودخل البيت عليهما، فسمع عندهما من يقرأ القرآن، فبطش بهما حتى شج أخته، وندم لما صنع ، وطلب إليها أن تعطيه الصحيفة التي كانوا يقرءون، فإذا بها سورة طه، فلما قرأها أخذه إعجازها وجلالها وسمو الدعوة التي تدعو إليها، فذهب إلى محمد فأسلم بين يديه.
لم تكن الصحيفة التي سجلت سورة إلا واحدة من صحف كثيرة كانت متداولة بين أيدي الذين أسلموا من أهل مكة سجلت سورا أخرى من القرآن، ولقد ظل رسول الله بين المسلمين بمكة وبالمدينة ثلاث عشرة سنة بعد إسلام عمر، كان يقول خلالها لأصحابه: «لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، فمن كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه.» وكان طبيعيا أن يكتب الصحابة كل ما يستطيعون كتابته من القرآن لتلاوته في الصلاة، ولمعرفة أحكام الدين الذين يؤمنون به، وكان يكتبه الذين يوفدهم النبي إلى القبائل لتعليم أهلها القرآن وتفقيههم في الدين، وهم لم يكونوا يكتبونه آيات متقطعة، بل سورا متصلة يمليها رسول الله.
ونصوص القرآن تؤيد ما سبق؛ من ذلك قوله تعالى:
يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ، وآيات المزمل هذه نزلت في الفترة الأولى من بعث الرسول، فمطالبة النبي فيها أن يقوم الليل يرتل القرآن ترجح أن الآيات لم تكن مبعثرة من غير ترتيب، وتؤكد ما قدمنا من أن ما كان يوحى إلى النبي متصلا بوحي سبق إليه كان الوحي يلحقه به، وذلك قولهم إن جبريل قال للنبي حين أوحى إليه قوله تعالى
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون : «يا محمد، ضعها في رأس ثمانين ومائتين من البقرة.»
ولقد تكرر في القرآن نعته بأنه الكتاب، وسورة البقرة أولى سور القرآن بعد الفاتحة تبدأ بقوله تعالى:
الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ، وهذا المعنى وارد في مواضع كثيرة من سور مختلفة، والكتاب هو ما كتب منسقا، وقد كتب القرآن في عهد النبي كما أسلفنا من قول أنس بن مالك وقول غيره من أصحاب رسول الله، بل إن زيد بن ثابت نفسه ، وهو الذي قال كما قدمنا: «قبض النبي
Shafi da ba'a sani ba