تأليف
ثروت أباظة
لحظة سعادة
كان سعيدا منشرح الصدر وهو يفكر، كانت لحظة من هذه اللحظات القليلة التي يشعر فيها الإنسان أن الحياة تعطيه بقدر ما يريد منها أن تعطيه، ودون أن يدري السبب راح يفكر في السبب الذي بث في نفسه هذه السعادة التي يشعر بها، وما لبثت هذه الفترة أن بعدت عن مسار تفكيره، وما لبث أن قال لنفسه إني سعيد لأني سعيد، وأخشى ما أخشاه أن أبحث عن أسباب سعادتي وأنقلب بفعل يدي تعيسا، وأسباب التعاسة دائما أكثر وفرة من أسباب السعادة، وهل هذا كلام رجل سعيد، إنه كلام أي إنسان، ولكنك لست أي إنسان؛ إنك رجل سعيد؟ حسنا فلأظل سعيدا إذن دون محاولات سخيفة لتعمق أسباب السعادة، هل هي قليلة لحظات السعادة هذه إلى هذا الحد، هل هي قليلة لدرجة أنني أقتنصها من الحياة اقتناصا ولا أحاول حتى أن أبحث أسبابها وما دعت إليه.
إني سعيد بزوجتي، ولكن سعادتي بها لا تكون لي لحظات سعادة، أنا أحبها وأعلم أنها تحبني، وهي شريفة بحكم تكوينها، وهي تعمل دائما على إسعاد بيتها، وليس بيني وبينها إلا هذه المشاجرات التي تدل على أننا أحياء، ولو أنها مشاجرات كثيرة وعنيفة في بعض الأحيان؛ مما ينبئ على أننا أحياء جدا، ولكنها جميعا مشاجرات طبيعية لا بد أن تنشأ بين اثنين نشأ كل منهما في بيت، ثم جمعهما بيت واحد يعلمان أنهما سيقضيان فيه ما بقي لهما من حياة، قد تشعر هي بالضيق أحيانا، أو قد يشعر هو بالضيق أحيانا، وقد تكون هذه الأحيان كثيرة، وقد تتلاقى هذه الأحيان من الضيق فتكون مشاجرة لو بحث كلاهما أو أحدهما عن سببها لا تضح على الفور مقدار سخافتها.
لماذا أفكر في كل هذا، من أجل لحظة سعادة، ألم تكن لي لحظات سعادة كثيرة وأنا طفل، لماذا يقول الناس طفولة سعيدة، أظن السعادة هنا يقف وراءها الجهل، إنهم سعداء لأنهم لا يعرفون كيف يكونون تعساء، ولكني مع ذلك أذكر في طفولتي لحظات سعيدة. والآن فقط أدرك أنني كان يجب أن أعتبر طفولتي سعيدة، يبدو أن الأطفال يعتبرون سعادتهم قضية مسلما بها لا تقبل النقاش؛ فحياتهم مهما تكن سعيدة يعتبرونها هم عادية. ولا يذكرون منها إلا لحظات السعادة الخارقة للعادة ولحظات التعاسة العادية، كانت لحظات سعادتي هي تلك الأوقات التي أقضيها في قراءة القصص، قصص الأطفال. كنت أحس أنني أعيش في عالم آخر غير هذا الذي أعيش فيه.
لماذا يعتبر البعد عن العالم الذي أعيش فيه سعادة، لماذا يقول الناس هذا دائما كلما أحبوا أن يعبروا عن سعادتهم، هل العالم الذي نعيش فيه سيئ إلى هذا الحد، وإن كان سيئا أهو هكذا بالنسبة للأطفال؟ لماذا يحبون أن يعبروا إلى عوالم أخرى من قصص علاء الدين والسندباد وعلي بابا والأربعين حرامي وقصص الجان وغيرها وغيرها؟
والكبار، ألا يتشبثون بعالم آخر، ما الحياة عندنا إذا كانت هي هذه الحياة فقط، سبحان خالق الناس، عرف نفوسهم وعرف حياتهم فوعدهم بحياة أخرى يلقون فيها السعادة التي لم يعرفوها من الدنيا، ولكني الآن سعيد، لحظة، أو لحظات ثم تعود الحياة حياة. أقصى ما أطمع فيه منها ألا ترزأني بلحظات تعاسة وتصبح أيام الملل والوتيرة الواحدة سعيدة، سعيدة لأنها ليست تعيسة.
إننا نبحث في حياتنا هذه عن السعادة من أي سبيل، نرى السعادة في نظرة إلى أبنائنا، في أبنائنا، في ابتسامة على شفة لهم، في ضحكة، في مجرد جلوسهم أمامنا مشغولين عنا بالنظر إلى التليفزيون.
ما السعادة التي يهبها لنا أطفالنا؟ ما هي ما قبل الرعب الذي يلقون به في نفوسنا؟ الهول المبين، الذعر الأخاذ الوبيل، إذا مرض أحدهم أو إذا وهمنا أن مرضا يهدد واحدا، وحين يزول المرض وحين يزول الوهم تعود نفوسنا إلى الصفاء وتعود إلينا السعادة، ما أعظم الثمن الذي ندفعه لقاء السعادة من أطفالنا.
Shafi da ba'a sani ba