وبعد قليل جاء موظفو البنك وجاء المدير فدخل إليه عبد القادر، وقدم له الخمسين ألف جنيه ليودعها في حسابه.
ودق المدير الجرس ودخل أحد الموظفين فقال له المدير: هذه خمسون ألف جنيه أودعها باسم عبد القادر بك فهمي.
ونظر الموظف إلى عبد القادر فهمي وأنعم النظر ثم قال: حضرتك جئت قبل فتح البنك؟ - نعم. - سعادتك كنت جالسا بجانب الباب؟ - نعم. - إذن هات التعريفة.
وأخرج عبد القادر التعريفة في صمت وأعطاه للموظف، وسأل المدير الموظف فقص عليه ما حدث وضحك المدير وسأل عبد القادر: لماذا؟ - أنا لا أرد خيرا أبدا، هذا كفر يا سعادة المدير، كفر.
المصير
طال به العمر وطال لم يغير الزمن منه شيئا، حتى كان قانون الإصلاح الزراعي فإذا عبد القادر يجد ما جمعه كله بددا، سبعة آلاف فدان لم يبق منه إلا ثلاثمائة، ترى هل كان يجمع عبد القادر ماله ليرثه أولاده من بعده، هراء وإلا لأعطى لأبنائه الفرصة أن يعيشوا، لقد كانت متعته في الحياة أن يجمع المال ويمنعه عن الآخرين حتى عمن يستحقونه، وأول هؤلاء وعلى رأسهم أولاده الذين لولا أمهم لعاشوا عيشة الشحاذين وأبناء العيل، إن نكبته في قانون الإصلاح لم تكن في أن الأرض لم يرثها أبناؤه، وإنما النكبة الكبرى في أن الأرض لن تصبح ملكا له، وليست في أن إيراده قل فما كان محتاجا لإيراد؛ فهو قد أودع باسم ابنه الأكبر ما يقرب من المليون جنيه؛ لأنه كان معجبا بابنه الأكبر الذي حصل على بكالوريوس التجارة العليا، وكان شحيحا طبعا، لم يكن في القمة التي وصل إليها أبوه من الشح ولكنه كان شحيحا. وهكذا أودع أبوه باسمه هذه الأموال حتى لا تنال الضرائب منها شيئا إذا وافاه الأجل المحتوم.
الإصلاح الزراعي كان نكبة بالنسبة إليه في أنه انتزع الأرض والأموال باسم ابنه الأكبر، كان فقط يريد أن يحرم ضريبة التركات من حقها، هذا كل ما في الأمر، ولكنه أبدا لم يكن يفكر في شأن أبنائه، إنها - كما قلت - الرغبة في الجمع لنفسه والرغبة في منع الآخرين.
ولكن عبد القادر رغم ضآلة جسمه كان قويا على الشدائد فاحتمل الصدمة وظل يواصل حياته كأن شيئا لم يحدث، طبعا مسألة الإيراد لم تؤثر فيه على الإطلاق فقد كان إيراد فدان واحد يكفيه العام كله ويفيض، ولكن النزع تجميع العمر، أمل السنين، لعله قال في نفسه قد تمتعت في الجمع نفسه ولكن ما أظنه قال هذا أيضا، المهم أنه صبر ولا أدري كيف صبر، على أية حال لم يطل به الصبر.
مر على قانون الإصلاح الزراعي ما يقرب من الثلاثة شهور، وكان عبد القادر جالسا في بيته بالصعيد وحيدا يمارس لعبته المفضلة مع القمل حين سمع أصواتا في الحجرة التي بها الخزانة، كان بالخزانة ثلاثمائة جنيه، قام يجري إلى الحجرة، الضوء منبعث من مصباح غازي فهو طبعا لا يفكر في الكهرباء، ونظر عبد القادر ضعيف ولكن هذا لم يمنعه أن يرى أشباحا حول الخزانة، ثلاثة نفر يتعاملون مع الخزانة معاملة لا ترضي عبد القادر. - ماذا تعمل يا ابني أنت وهو؟
وكانت كلمته الأخيرة، التف اللصوص حوله وقتلوه.
Shafi da ba'a sani ba