Shuyuciyya Wa Insaniyya
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Nau'ikan
لأنهم حرفوا مبادئ «كارل ماركس» ولجئوا إلى التحريف ليحيدوا عن طريقه الذي رسمه أمام التاريخ إلى نهاية الزمان.
كان ينبغي أن يصمدوا على ذلك الطريق.
كان ينبغي أن يبقى ذلك الطريق مفتوحا دون غيره إلى نهايته القصوى، وأن يبقى «كارل ماركس» مقدسا متبوعا مرجوعا إليه في مآزق الفتنة والضلالة، وكل ما يجوز لأتباعه أن يفهموا أنه غير معصوم في الدلالة على ذلك الطريق الأبدي الذي لا طريق سواه، فمن الجائز عليه أن ينأى عن الجادة، وينحرف إلى التيه، وليس من الجائز لأتباعه أن يتخذوا من انحرافه دليلا على انحراف الطريق. •••
وقبل أربعين سنة أتيح لبعض أتباعه أن يقبضوا على زمام الثورة الروسية بعد انهيار دولة آل رومانوف. فجاءتهم هذه الثورة والمذهب الماركسي يتداعى ويتناقض بنبوءاته وتقديراته وتخريجات منقحيه ومنقحي منقحيه. وأمامهم في مفترق الطرق مسلك من مسلكين: إما أن يهملوا المذهب فيهلموا الحق الذي يبنون عليه قيادة الثورة وتأسيس الحكومة الجديدة، وإما أن يتشبثوا به لتطبيقه أو تجربة تطبيقه، ما استطاعوا التجربة والتطبيق، مع الاسترسال عند كل خطوة في التنقيح وتنقيح التنقيح، والاعتراف تارة بالقداسة وتارة بالعصمة حول دثار الضريح.
وتهيأ للتجربة الماركسية في بلاد القياصرة ما لم يتهيأ قط لمذهب من المذاهب الاجتماعية، واستباح المجربون والمطبقون والمنقحون جميعا ما لم يستبحه أشد المتهوسين تعصبا لدين من الأديان في سبيل نشر الدين والخلاص من الكافرين به أو المارقين عليه، ولم يحصر التاريخ من ضحايا الأديان منذ أيام الجهالة إلى العصر الحاضر عشر معشار الضحايا الذين ضاعوا بالملايين قتلا ونفيا وتعذيبا في سبيل النبوءات الماركسية، ولم تثبت بعد ذلك كله نبوءة من تلك النبوءات، بل ثبت بما لا يقبل الشك أنها مستحيلة على التطبيق.
ولا حاجة إلى دقائق المذهب البعيدة للحكم على نبوءات «كارل ماركس» الأبدية، ولا حاجة بالبداهة إلى الأبد كله ولا إلى بعضه - إن كان للأبد بعض مقسوم - للعلم بفساد هذه النبوءات واستحالتها على التطبيق، فإن الخطوط العريضة من نبوءات المذهب البارزة تكفي لبيان مصيرها بعد البحث الأمين والتجربة العملية، فإن قرنا واحدا كانت فيه الكفاية وفوق الكفاية لإثبات التناقض بين وجهة التاريخ ووجهة «كارل ماركس» في نبوءاته الأبدية؛ لأن بحوث القرن وتجاربه دلت على هذا التناقض الواضح وألجأت الماركسيين أنفسهم إلى التحمل الشديد في تخريج مقاصد إمامهم، أو إلى الاعتراف الصريح بخطئه وحاجته إلى التنقيح والتصحيح.
إن حرب الطبقات من دعائم المذهب الماركسي الذي لا بقاء له بغير بقائها، ومن ثم سمي المذهب بالمادية الثنائية أو المادية الحوارية على بعض التراجم اللفظية؛ لأنه يقوم على تتابع النقيضين بين الطبقة الماضية والطبقة التي تخلفها، إلى أن يحين الأوان المقدور ويأتي المجتمع الموعود الذي لا طبقات فيه.
وعلى هذا الأساس الذي لا قوام لنبوءات «كارل ماركس» بغيره، يجزم «كارل ماركس» بزوال الطبقة الوسطى من المجتمع قبل زوال رأس المال، ولا بد عنده من فناء الطبقة الوسطى بين طبقة رأس المال وطبقة العمال قبل ظهور المجتمع الذي يستولي العمال فيه على مواد الإنتاج.
على أن الإحصاءات التي سجلتها الأرقام قد أثبتت أن الطبقة الوسطى تزداد مع الزمن ولا تنقص كما جاء في النبوءات الأبدية، ولم تخرج هذه الإحصاءات من أيدي الخصوم المنكرين للمذهب من أساسه، بل جاءت من الأنصار المؤيدين الذين اضطرتهم الوقائع إلى الاعتراف بما لا يقبل الإنكار، وقد كان أول هؤلاء المؤيدين إدوارد برنشتين
2
Shafi da ba'a sani ba