135

Shuyuciyya Wa Insaniyya

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

Nau'ikan

فكل ما يقال في تعليل ذلك راجع إلى علة واحدة، وهي تفوق الرجل على المرأة في القدرة والتأثير على العموم، فليست جهالة القرون الأولى بسبب صالح لتعليل هذه الفوارق العقلية بين الرجال والنساء في جميع الأمم؛ لأن الجهل كان حظا مشتركا بين الجنسين ولم يكن مفروضا على النساء وحدهن دون الرجال، ومن زعم أن الرجل فرض الجهل على المرأة فقبلته وأذعنت له، فقد قال: إنه أقدر من المرأة، أو إنه أحوج إلى العلم وأحرص عليه منها. وليس الاستبداد في القرون الأولى سببا صالحا لتعليل تلك الفوارق؛ لأن استبداد الحكومات كان يصيب الرجل في الحياة العامة، قبل أن يصيب المرأة في حياتها العامة أو حياتها البيتية، ولم يمنع الاستبداد طائفة من العبيد المسخرين أن ينبغ فيهم العمل الصالح والشاعر اللبق والواعظ الحكيم والأديب الظريف.

وليس عجز المرأة عن مجاراة الرجل في الأعمال العامة ناشئا من قلة المزاولة لتلك الأعمال؛ لأنها زاولت أعمال البيت ألوف السنين ولا يزال الرجل يبزها في هذه الأعمال كلما اشتغل بصناعاتها، فهو أقدر منها على الطهو وعلى التفصيل وفنون التجميل وتركيب الأثاث وكل ما يشتركان فيه من أعمال البيوت. وقد يرجع الأمر إلى الخصائص النفسية فيحتفظ فيها الرجل بتفوقه على الرغم من استعداد المرأة لتلك الخصائص من أقدم عصور التاريخ، فالنواح على الموتى عادة تفرغت لها المرأة منذ عرف الناس الحداد على الأموات، ولكن الآداب النسوية لم تخرج لنا يوما قصيدة من قصائد الرثاء تضارع ما نظمه الشعراء الرجال سواء منهم الأميون والمتعلمون، وقد كان أكثر الشعراء في العهود القديمة من الأميين. بل هناك خاصة نفسية لا تتوقف على العلم ولا على الحرية ولا نوع العمل أو الوظيفة في المجتمعات أو البيوت وهي خاصة الفكاهة وخلق الصور الهزلية والنكات التي يلجأ إليها الناس حين يحال بينهم وبين التعبير الصريح.

وربما كان الاستبداد أو الضغط الاجتماعي من دواعي تنشيط هذا السلاح النفسي في قرائح المستعبدين والمغلوبين؛ لأنه السلاح الذي ينتقم به المغلوب لضعفه والمنفذ الذي يفرج به عن ضيقه وخوفه، وقد كان ضغط الرجال على النساء خليقا أن يغريهن باستخدام هذا السلاح لتعويض القوة المفقودة والانتقام للحرية المسلوبة، ولكن الآداب والنوادر لم تسجل لنا فكاهة واحدة أطلقها النساء على الرجال، كما فعل الرجال المغلوبون في الأمم الحاكمة أو المحكومة على السواء، أو كما فعلوا في تصوير رياء المرأة واحتيالها على إخفاء رغباتها وتزويق علاقاتها بالرجال، وهذه الملكة - ملكة الفكاهة - خاصة نفسية لم يقتلعها من طبائع الرجال ظلم ولا جهل ولا فاقة ولا عجز عن العمل في سبيل الحياة، فمن اللجاجة أن يتجاهل المتجاهلون هذه الفوارق وهي أثبت من كل ما يثبته العلم والعلماء، وما كان للعلم أن يوجد شيئا لم يكن له وجود في الواقع أو في تفكير العقول، وإنما هو أبدأ في مقام التسجيل أو مقام التفسير.

1 •••

إن هذه الاعتبارات موضوعة حتما بين يدي كل تشريع يتحرى مصلحة المجتمع في حاضره ومستقبله، ومتى نظر التشريع إلى هذه الاعتبارات، فإنه لا يقيم العدل بين الجنسين على أساس المساواة في الفرص ولا على مطالبة كل منهما بواجبات كواجبات الآخر أو تخويله حقوقا كحقوقه، وليس أمامه من أعدل الجنسين غير العدل على أساس تقسيم العمل بينهما، كما يتوفر عليه كل منهما، وهذا هو العدل على سنة المساواة بين الواجبات والحقوق، وأن تكون حقوق الجنس مكافئة لواجباته، وواجباته مكافئة لحقوقه. ومن الهزل - لا من الجد في شيء - أن نعلم أن تربية البنين وتنشئة الجيل الجديد وتنظيم البيت والأسرة واجب على المرأة قبل الرجل، ثم نزعم أنها مساوية له إذ تقوم بهذا الواجب وتقوم بأعباء الرجل في الأعمال العامة على السواء.

وعدل المساواة بين الواجبات والحقوق هو عدل الإسلام في بيان حقوق المرأة وحقوقها هي على الرجل وحقوق الرجل عليها

ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ،

الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم .

وإن تقسيم الواجبات والحقوق في الإسلام على هذا القسطاس لهو تقسيم الفطرة الذي نرجع إليه قسرا كلما شردنا عن طريقه، وما نخال أن تقسيم الفطرة مجهول بعد تقرير مكان المرأة الطبيعي في القيام على شئون البيت وتربية الجيل الجديد، ومن حقها إذن على الرجل أن يتولى الإنفاق عليها وعلى البيت، إذ كانت لا تستطيع أن تعول أبناءها وتكدح لنفسها.

نعم، إن المرأة في المجتمعات الحديثة تضطر إلى العمل لكسب معيشتها، إلا أن هذا الاضطرار خلل في المجتمع يؤسف له ولا يغتبط به ولا يبنى عليه قوام الحاضر والمستقبل، وقديما كان الطفل الصغير مضطرا إلى العمل لكسب معيشته، فلم يكن هذا فضيلة للمجتمع الذي يحدث فيه تستوجب التشجيع والإقرار، وتستقيم عليه أسس التربية والتشريع، بل كان خللا وخيم العاقبة تتضافر الجهود على سداده وتحريمه، وتحاربه الشرائع والآداب على الرغم من الاضطرار إليه في كثير من الأحوال.

Shafi da ba'a sani ba