Shuyuciyya Wa Insaniyya
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Nau'ikan
ونحن لا نستقصي في هذا الكتاب أخبار القمع والاضطهاد التي ترامت إلينا من أرجاء العالم الإسلامي في القارة الآسيوية؛ لأن استقصاء هذه الأخبار موكول إلى مقصد آخر غير مقصدنا من بحوث هذا الكتاب، وهو مناقشة المبادئ والآراء، والإبانة عن مواطن الضعف والخلل في أساسها الذي تقوم عليه. وقد يغنينا عن استقصاء تلك الأخبار في عرض الطريق أن نشير إلى «مصادرة» الفريضة، التي تظهر مصادرتها على البعد، ولا يجدي فيها التكذيب والتمويه، تلك هي فريضة الحج في كل عام، فإن حجاج الأمم الإسلامية كانوا يلتقون في مكة بالألوف من أبناء الأقطار الأوربية والآسيوية الذين كانوا يخفون إلى الأماكن المقدسة كل عام قبل قيام الدولة الشيوعية، فلما قامت هذه الدولة امتنع وفودهم سنوات، ثم وصل منهم من استطاع الوصول بعد ذلك، فلم يجاوز عددهم ثلاثين أو أربعين حاجا في كل مرة، كان يبدو عليهم أنهم يحسون فيما بينهم رقابة شديدة عليهم، وأنهم ربما كانوا مندوبين لغرض يحملون عليه غير أداء الفريضة.
وتلاحقت - في خلال حملة القمع والاضطهاد - تلك الحملة الأخرى من حملات التشهير والتشويه، ونمت عليها أقوال الصحف والنشرات، وبعض الكتب الموسوعة التي تقضي عليها مادتها باستيعاب موضوعاتها، ومنها موسوعة الثقافة الشيوعية، فإنها وصمت الإسلام بوصمة الرجعية ومعاونة الاستغلال، واعتبرته من عقبات التقدم وموانع الحضارة العصرية، وأفردته بالعداوة التي تستحقها كل عقيدة تصلح لمنازعة المذهب المادي على ضمير الإنسان. •••
وما كانت الخصومة الشيوعية لتتورع عن الدعاية الرخيصة، كلما أعوزتها أسانيد الدعاية المقنعة؛ لأن القناع سابق للدعاية في خطط الشيوعية، وأرخص ما تكون دعايتهم إذا آنسوا العجز عن إقناع خصومهم، ومن هذا القبيل كانت حملة التشهير والتشويه التي اصطنعوها في دعايتهم على الإسلام، فليس لها من معنى يخرج به القارئ من جملتها وتفصيلها غير معنى واحد، وهو أن الإسلام لم يتنزل في القرن العشرين.
فما كان دين من الأديان ليهاجم بدعاية أرخص من هذه الدعاية المفروغ منها؛ لأن الأديان لا توجد لتلغى وتعاد كل صباح ومساء، فإما أن توجد لتدين أمة في أجيالها المتعاقبة، أو لا توجد على الإطلاق، ولا يتصور لها وجود، وإذا كان طول الأجل مأخذا على الدين، فالإسلام لا يؤخذ بهذا المأخذ الهزيل؛ لأنه آخر الأديان الكتابية في تاريخ الظهور.
إنما تؤخذ على الإسلام آدابه وفرائضه التي جاء بها يوم ظهوره، وإنما تؤخذ عليه هذه الآداب والفرائض إذا جاءت رجعية في حينها لا تصلح شيئا مما تصدت لإصلاحه، ولا تفتح في الغد طريقا للمصلحين.
ولم يكن الإسلام كذلك من وجهته العامة، ولا كان كذلك من وجهة المآخذ التي أحصاها الشيوعيون، وأهمها الرق وتعدد الزوجات وحدود العقاب وشروط المعاملات الاقتصادية، وسنرى أن الإسلام لم يأت بحكم من الأحكام في مسألة من هذه المسائل إلا كان فيه إصلاح للحالة التي كان عليها في عصر الدعوة، وحض على الإصلاح في العصور المباشرة التي تليه.
فالإسلام لم يشرع الرق الذي كان مشروعا قبله في جميع الأديان الكتابية، وكان الفيلسوف «أرسطو» يسوغه بآرائه الاجتماعية والسياسية، وقسم الجنس البشري إلى فريقين: فريق يعمل بعقله ومشيئته، وفريق يؤدي للفريق الأول أعماله كما تؤديها الآلات.
لم يشرع الإسلام الرق، بل شرع العتق وحض عليه، وجعله من وسائل القربى والتكفير عن السيئات.
وما أباحه الإسلام من الرق لا يزال مباحا إلى اليوم بين أمم الحضارة في حروبها، فإن الأسرى يعتقلون ويسخرون في العمل، ولا تفك قيودهم إلا بالمبادلة أو سداد الغرامة والتعويض، وهذا هو الرق الذي أباحه الإسلام، وأوجب معه المن بالعفو أو الفكاك أو المكاتبة:
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها .
Shafi da ba'a sani ba