124

Shuyuciyya Wa Insaniyya

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

Nau'ikan

وقد أسلفنا أن الشريعة الموسوية شرعت لقوم من أحب خلق الله للمادة ومتاعها، فلم يكن فيها ما يعزز قول القائلين: إن الأغنياء يروجون العقائد في المجتمع لتسويغ مطامعهم واستباحة ما لا يباح. ثم جاءت المسيحية على أثر الموسوية ، فكانت في صميمها حملة على الثراء أو ثورة على ملكوت الأرض من أجل ملكوت السماء، وآيتها أن دخول الجمل في سم الخياط أيسر من دخول الغني إلى ملكوت السماء، وأدبها بعد أدب السيد المسيح مشروح في وصية يعقوب من الإصحاح الثاني حيث يقول:

إن دخل إلى مجمعكم رجل بخواتم الذهب في لباس بهي ودخل معه فقير بلباس وسخ فنظرتم إلى اللابس البهي وقلتم له: اجلس أنت هنا حسنا. وقلتم للفقير: قف أنت هناك أو اجلس هنا تحت موطئ قدمي. فهل لا ترتابون في أنفسكم وتصيرون قضاة أفكار شريرة؟! اسمعوا يا أخوتي الأحباء، أما اختار الله فقراء هذا العلم أغنياء في الإيمان وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه؟! أما أنتم فأهنتم الفقير، أليس الأغنياء يتسلطون عليكم وهم يجرونكم إلى المحاكم؟!

إن معظم ما وعته الأناجيل الباقية والكتب الملحقة بها يوافق هذه العقيدة وهذا الأدب الديني في مواجهة الفقر والغنى، فمن الهذيان ألا تعلل الديانة المسيحية في نشأتها أو في تطورها إلا بالعلة الببغاوية التي يحفظها الماركسيون، كلما عللوا الظواهر الاجتماعية، فردوها جملة واحدة إلى خدمة مصالح الأغنياء، ولو كان أمامنا مائة تعليل لنشأة دين كالدين المسيحي، لجاز أن يقبلها العقل على علاتها قبل أن يسيغ القول بأن المسيحية اختراع الأغنياء لترويض الفقراء، ولا بد أن نبتعد من هذا التعليل مراحل شاسعة، حين نعلم أن الغني المسيحي يؤمن بدينه كما يؤمن به الفقير المسيحي، ولا يشعر لمحة عين بأنه مذهب مخترع على قصد منه لخداع الفقراء وتسخيرهم في خدمة دنياه، ومن خطر له هذا الخاطر من الأغنياء فقد يماثله أناس من الفقراء، ينحرفون بهذه المظنة عن الدين كما ينحرف عنه أصحاب الأموال.

وليس مما ينقض الرأي الصواب في نشأة المسيحية أن تراد لمقاومة إغراء المال ثم يستطيع أصحاب المال أن يحتفظوا بالقدرة على الإغراء، فإن المضروب الذي لا يقتله السكين ويلويه على الضارب لا يقال عنه من أجل ذلك: إنه هو الذي صنع السكين ليضرب به ويلويه على ضاربه، وما يقوله الماركسيون بهذا المعنى فإنما هو أضحوكة، لا تقل عن هذا الضرب من الأضاحيك.

لا جرم يصطدم الهذيان الماركسي الذي يسمونه علما بالحقائق التاريخية وبالواقع من تجارب الماركسيين في دولتهم بعد الحرب العالمية، فيعاد النظر في تعليل نشأة المسيحية، ويتراجع الدعاة شيئا فشيئا عن التفسير الماركسي المحفوظ إلى تفسير آخر، يحاول أصحابه أن يوفقوا بين التاريخ - كما حدث - وبين فلسفة التاريخ على مذهبهم، ويلم بهذا الموقف الجديد «تيماشيف» صاحب كتاب «الدين في روسيا السوفيتية» إذ يقول في الفصل الذي كتبه عن السياسة الجديدة: «إن الحزب الشيوعي كان على خطأ في رأيه عن أصل المسيحية. وكانت هناك نظريتان: إحداهما نظرية الأستاذ «ويبر» الذي يقول بأن المسيحية من نشأتها ديانة استغلال ومستغلين، والأخرى نظرية الأستاذ «كوتزكي» الذي يرى أن المسيحية تخلص من الشقاء، وأنها في نشأتها ديانة أرقاء وشوق إلى الحرية، وعندهم أن المسيحية كسائر الديانات أفيون للشعوب، ولكن لا بد من بيان السبب الذي كفل لها النجاح، وهذا السبب هو أنها حركة دينية جديدة لا تسمح بالتمييز بين الأجناس والأقوام، وتهيئ الطريق لنظام جديد في الزواج وتعترف بكرامة الإنسان الخالص وبالمساواة بين الناس على تفاوت طبقاتهم، وقد كانت الثورة على الأحوال الاجتماعية هي قوام الدين بين المسيحيين الأول، وكانت جماعاتها الأولى ديمقراطية، وطرأ على المسيحية بعد ذلك طوارئ شتى ولم تزل بعدها محافظة على كرامة المثل الأعلى، ولا نكران لما قامت به المسيحية من المساعدة على التقدم بالمقابلة بينها وبين الديانات، فإنها جاءت بأفكار جديدة وقواعد يبنى عليها مجتمع جديد.

وبعد أشهر قليلة أقرت جماعة الإلحاد المجاهدة مقترحات «رانوفتش» وأذاعتها في منشور موجه إلى دعاة الإلحاد قالت فيه: «إن المسيحية لا ينبغي أن تجعل كأنها صورة موحدة مع نظام رأس المال، فإن المسيحيين الأول لم يكونوا أغنياء ولم يكن من دأبهم تعظيم الثروة.»» •••

إن بعض هذا الاجتراء على الشك في «العقيدة» الماركسية، كان في السنوات الأولى لقيام الدولة الشيوعية بمثابة جريمة للخيانة العظمى التي يعاقب عليها بالموت والتشهير، ولو أن العلماء النظريين الذين فسروا الدين هذا التفسير، قد اجترءوا على العقيدة الماركسية هذه الجرأة مبتدئين بالرأي من عند أنفسهم، لكان أسعدهم حظا من ينفى إلى مجاهل سيبريا، أو ينبذ من المجتمع ليقضي بقية حياته في عزلة الخمول، إلا أن العلماء النظريين في النظام الشيوعي لا يقدرون على مثل هذه الجرأة، ولا يكون إقدامهم عليها إلا دليلا على الإيعاز الخفي أو التحول الصريح في «تفكير» الدولة برمتها، وقد كانت هذه النظريات تنشر ورئيس الدولة «كالينين» يخطب في مؤتمر المعلمين ليقول:

إن التعليم بالروح الماركسية ينبغي ألا يفهم منذ الآن كأنه تعليم القضايا الماركسية. بل ينبغي أن يراد به بث عاطفة الحب للوطن الاشتراكي، وتنمية الصداقة والزمالة والإنسانية وفضائل الأمانة والتعاون في العمل.

وخطب في مناسبة أخرى فقال: «إن هدم الدين بغير نظر فيما يخلفه لا يجدي، وإن «لينين» كان يرى أن المسرح سوف يحل في المجتمع المقبل محل الدين.»

ولما قررت الدولة إجازة يوم رسمي في الأسبوع، كان من مقترحات «المؤمنين» أن يختار يوم الاثنين أو الأربعاء أو يوم من الأيام غير يوم الأحد فأعرضت الدولة عن هذه المقترحات، وقررت يوم الأحد دون غيره، وعهد إلى الأستاذ «نيكولسكي» أن يكتب بحثا في هذا الموضوع، ينشر في مجلة العصبة؛

Shafi da ba'a sani ba