Shuhada'ilimi Da Gurbata
ذكرى شهداء العلم والغربة
Nau'ikan
أي شهداء مصر، لقد خلعتم عليها شبابكم، ولعل طيفها كان آخر ما مر بمخيلاتكم واسمها كان آخر ما لفظته أفواهكم، وربما كان آخر خفقات قلوبكم خفقة التعلق بها والتوجع لها، فحري بها اليوم وقد عاقها القدر أن تقيم لكم المواكب أحياء أن تقيم عليكم المآتم شهداء.
لقد بكتكم بلادكم إذ دخلتموها لا كما خرجتم منها، فقد زايلتموها وأنتم لها ذخر ورجعتم إليها وأنتم لها فخر، ولعزيز عليها أن تهب بكم فلا تجيبون لها نداء وتدعوكم فلا تسمعون لها نداء.
فسلام عليكم يوم رحلتم عن بلادكم، وسلام عليكم يوم عدا عليكم القضاء فأذبل منكم الزهر الجني وأذوى الأمل الفتي، وسلام عليكم يوم بلغت جثتكم هذا الوطن الأسيف، والله المسئول أن يتغمدكم برحماته ويفرغ على قلوب المحزونين فيكم صبرا جميلا. (2) ضحايا الغربة
اهتزت القلوب جزعا وانهمرت العبرات حزنا لذلك النبأ المروع الذي مات فيه عدد من الطلبة المصريين النازحين إلى أوروبا طلبا للعلم وجرح فيه آخرون. ولا شك أن خسارة الأمة بفقد أبنائها مما يستوجب الحزن الشديد والأسف العام، فإنها لم تفقد بهم أفرادا منها وأعضاء عاملين من مجموعها فقط، بل فقدت ما كانت ترجوه من الخير على أيديهم ، فقدت تلك الكنوز العلمية الغالية التي تطوعوا لنقلها إلى وطنهم، فقدت من أبنائها فريقا لم يعبأ بما يتجشمه من المشاق لتحقيق أمنية هي أشرف ما تتوق إليه النفوس وأمجد ما يضحى في سبيله بكل عزيز.
على أبناء كل أمة واجبة مقدسة منها ما تضحي من أجله النفوس بلا تردد، فإنك إذا نظرت إلى الملايين من الشبان الذين ضحوا بحياتهم في الحروب القديمة والحديثة لرأيتهم يهرعون إلى ميادين القتال ويقابلون الموت بصدر رحب قياما بواجبهم في الدفاع عن كيانهم أو انتصارا لمبادئ عالية مقدسة تقضي محبة الإنسانية وحمايتها بالدفاع عنها، ولئن عم الحزن الأوطان التي ينتمي إليها أولئك المجاهدون ففخرها بشممهم وشهامتهم مخلد على ممر الأيام. ولئن ألقينا بنظرة على سطح الكرة الأرضية رأينا الملايين من أبناء كل أمة منتشرين على وجهها بعيدين عن أوطانهم وأسراتهم، إما لعودة بمال أو بعلم، أو لتوطيد سلطان دولتهم في الأنحاء المختلفة من العالم، وكم يموت منهم في كل يوم بحادث أو بغير حادث!
وكم من ألوف من الناس غرقت بهم البواخر! وكم ألوف منهم تحطمت بهم الطيارات! وكم من ألوف فتكت بهم الحميات في مجاهل أفريقيا؟ وكم من الألوف لاقوا حتفهم في الاكتشافات العلمية والجغرافية! وكم وكم! كل ذلك لم يثن عزم مواطنيهم عن الدأب على تحقيق الغرض الأسمى، فإن الموت نتيجة طبيعية للحياة:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
تنوعت الأسباب والموت واحد
فلو كان للقضاء والقدر حساب في نظر الأمم الراقية لما رأينا أحدا من أبنائها خارج موطنه، بل لما رأيناه خارج بيته، وهيهات أن يمنع ذلك من وقوعه!
سافر ذلك الفريق من الأمة في طلب العلم، وأنعم به من مطلب! فكان من المقدور أن يقع ذلك الحادث غير المنتظر الذي فقد بعضهم أرواحهم فيه. حادث محزن تنفطر له القلوب ويعم الأسف الأمة بأسرها من أجله، ولكنه ليس بالحادث الفريد في بابه ولا بالذي يقل من عزم شبابنا على ورود مناهل العلم ويضعف في شجاعتهم، ولا هو بالذي يثير في نفوس الأباء والأمهات عواطف الحنو الأبوي فيقيم منها حاجزا بين أبنائهم وبين أن يكونوا رجالا نافعين لوطنهم وللدنيا ولأنفسهم، بل هم أولى بأن يتخذوا منه محركا إلى سد النقص الذي طرأ على ذلك الصف المجاهد في سبيل أشرف الغايات وأقدسها.
Shafi da ba'a sani ba