Shuhada'ilimi Da Gurbata
ذكرى شهداء العلم والغربة
Nau'ikan
ثم انقضى دور الدراسة الابتدائية وهو في الثامنة عشرة من عمره، فلم يجد مدرسة ثانوية أميرية تقبله لكبر سنه، فلم يثنه ذلك عن التعليم، وقصد مدرسة المساعي المشكورة بشبين الكوم يتمم فيها دراسته الثانوية، ثم تركها إلى الإلهامية حيث تعارفنا وأخذ منها البكالوريا، وكان في القسم الأدبي وكان ذلك سنة 1917 ميلادية.
ثم دخل مدرسة الحقوق السلطانية، وكان جميع الطلبة في القسم الأدبي يرون أن أقصى سعادتهم التوصل إلى مدرسة الحقوق، وكان زويل يرسمها في خياله صورة كبيرة ويرى فيها أوسع الآمال.
ولعل من أكبر عيوبنا التهافت على مدرسة الحقوق هذا التهافت الشديد، فكل طالب من القسم الأدبي لا تجول بخاطره غير الحقوق ولا يذهب به الأمل إلى أبعد من الدخول في مدرسة الحقوق، حتى إذا لم يستطع الدخول فيها حسب نفسه بائسا سيئ الحظ، بل صغرت نفسه في عينه وهدمت آماله وقضى أيامه في غيرها من المدارس العليا مضطرا غير مدفوع بدافع من نفسه.
على أن زويل كان من أولئك «السعداء» الذين ضمتهم جدران مدرسة الحقوق لتحقق لهم آمالهم الواسعة وأحلامهم الذهبية، ولكنه ما لبث أن صغرت في عينه المدرسة إذ كان يتخيلها شيئا عظيما هائلا فلم يجدها كما توهم، ورأى الصعوبات التي تصادف الطلبة والمتخرجين، وأدرك أن شهرة الحقوق هذه شهرة كاذبة وراء أوهام محضة، وأنها لا تمتاز عن غيرها من المدارس العليا بشيء، وبالجملة فإنه تغير في أفكاره كثيرا وأصبحت المدرسة لا تعجبه.
وكان زويل - رحمه الله - من أشد الناس اعتناء بصحته وأكثرهم خوفا على حياته، إذ كان ضعيف البنية، كثير الوهم، وزاده وهما أن بعض الأطباء ألقى إليه أن به مرض القلب فأصبح يحاذر على نفسه كثيرا، ولذا كان يراعي القواعد الصحية في أكله وشربه ونومه ورياضته ومقدار درسه، وكان لا يدخن ولا يشرب القهوة، ولا يجاري إخوانه الطلبة في شيء مما يفعلون، بل كان يبتعد عنهم، من أجل ذلك كان قليل الدرس وجاء الامتحان فرسب فيه، ولكن ساءه أن من الطلبة من كان أضعف منه في درسه ونجح وكان يمكن أن ينجح هو أيضا لو ساعده المدرسون.
وشعر بعد هذا الرسوب بشيء من الخيبة في الحياة، وهكذا هدم ما كان يشيده من الآمال في مدرسة الحقوق، ولكنه لم ينكص على عقبيه بل تحمل صابرا ورجع إلى فرقته من جديد وإن كان هذا من أكبر دواعي الألم للطالب.
وهنا أصبحت حياته سلسلة من اليأس لم يكن يدري بها أحد لأنه لم يكن يبوح بما يؤلمه إلا نادرا، ومكث بالمدرسة حتى جاءت اضطرابات مارس الماضي فعطلت الدراسة، وهكذا رأى أن ثلاث سنين من عمره قد ضاعت هباء لم يستفد منها بشيء.
ثم فتح الطريق إلى ألمانيا فتهافت عليه الطلبة، وربما كان معظمهم يائسا من التعليم في مصر يأس الفقيد زويل، فهجروا بلادهم يقصدون ألمانيا بالرغم مما يعترضهم في الطريق من عقبات.
ولم يكن زويل متسرعا بل لم يكن يقوم بعمل إلا بعد تفكير ودرس طويلين، ولذا لبث ينتظر أخبار رفقائه الذين سبقوه حتى إذا استوثق منها عزم على السفر وتوكل على الله، وكان يريد دراسة الاقتصاد السياسي والعلوم المالية.
وكذلك سافر تلك السفرة الطويلة، ولعله بذلك كان أسعد حظا من الأحياء.
Shafi da ba'a sani ba