إهداء الديوان
تصدير
إلمامة
شعر الديوان
نقد وملاحظات الشعلة
إهداء الديوان
تصدير
إلمامة
شعر الديوان
نقد وملاحظات الشعلة
Shafi da ba'a sani ba
الشعلة
الشعلة
تأليف
أحمد زكي أبو شادي
إهداء الديوان
اثنان هذا الشعر تحفل روحه
بهما: حنانك أنت ثم حناني
رددته نغم الحياة، فإن نأت
بنواك عاد نشيده فرثاني
فإذا ابتسمت فكل شعري خالد
Shafi da ba'a sani ba
وإذا عبست فكل شعري فان
أبو شادي
تصدير
أكثر هذا الشعر قديم وأكثره لم يسبق نشره. جرى به اللسان طوعا لمناجاة النفس في ظروف متعددة يشملها الاضطراب والثورة الفكرية والسياسية، فما يدعو إلى نشره الآن سوى حب المشاركة الروحية لمن شاء من الأدباء أن يجلس إلى هذه المائدة المعنوية التي تجمع ألوانها بين الغذاء الدسم والفاكهة، وبين الحلوى والدواء المر، مقرونة بأخلص صلواتي الروحية. وشجعني على ذلك أن مختارات من هذه القصائد - وأخص بالذكر الوطنية والاجتماعية منها - منسوخة ومتداولة بين الأدباء لما فيها من صدى نفوسهم الحزينة وشعلة آمالهم ومرارة قنوطهم في هذا العهد الصاخب بالتيارات المتناقضة.
وقد حرصت على استبقاء نصوصها الأصلية إرضاء للناقد الأدبي الذي يسره متابعة التطور في ذهنية الشاعر وعواطفه وأسلوبه وتفاعله الأدبي والفكري مع بيئته، وإرضاء لذكرياتي ووجداني وشعوري حينئذ. وهي أول ما يعنيني إن لم تكن في الواقع كل ما يعنيني إرضاؤه.
وقد أسميت هذا الديوان «الشعلة» إذ وجدت شعره أبعد ما نظمته نفوذا وهداية وتأثيرا بين شعري الوطني والاجتماعي، وقد جاء في دور انتقال والنفوس جامحة والخواطر مضطربة والحريات معطلة. ولم تسمح الظروف بطبعه من قبل لاعتبارات سياسية، ولكن ذيوع جانب من شعره بين الجمهور المثقف كان برغم ذلك عظيما إلى حد أن نسبت غير واحدة من هذه القصائد إلى بعض الشيوخ من شعرائنا المعروفين وأخص بالذكر قصيدتي «الناسخ والمنسوخ» و«اليد النكراء».
وقد نشأت هذه الحركة في البيئات المدرسية أولا حيث كان لمطابع الفالوذج دور مستور في نشر الشعر الوطني والسياسي، وكاد يصبح نصيبي من هذا اللون من الشعر مجهول النسب كما أصيبت قصائد شتى من قبل لشعراء آخرين. ورأيت أن الوقت قد حان الآن لطبع هذا الديوان كحلقة في تاريخ الشعر المصري إبان الحركة الوطنية الحديثة، وإن كانت قد سبقتها حلقات من لون هذا الشعر في دواويني المتقدمة وفي دواوين غيري من الشعراء، هذا إلى أن الديوان يشمل كذلك غير قليل من الشعر الوجداني والشعر الوصفي الخالص.
ومهما يكن من نزوعي إلى الشعر الفني الصافي وإلى الروح الإنسانية العامة فلا بد لي من الاعتراف بأن نفس الشاعر نهزة المؤثرات الوطنية متى ما ارتبطت بالمبادئ الأدبية السامية؛ ومن ثمة نشأ الشعر الوطني الحي. وليس لي بطبيعة الحال أن أزكي هذا الشعر وإنما علي واجب تدوينه ونشره تاركا للأدباء أن يتذوقوه ويستوعبوه أو يغفلوه ويهملوه حسب أذواقهم ونزعاتهم الأدبية، والخير كل الخير في اختلاف هذه الأذواق.
وإذا كنت أعنى بنشر هذا الشعر الذي هو من فلذات قلبي وعرائس خواطري فليس للتكسب ولا للشهرة، ولا لأي اعتبار دنيوي، ولا للذة معنوية مألوفة، فإن الحافز الوحيد لي هو إحساسي أن هذه الكلمات تحمل أجزاء روحي وتؤلف صحائف نفسي وتنطوي على صورة من المثل الأعلى الذي أعشقه أو على أقرب خيال له؛ لذلك أعرضها بروح صوفية على من تجاوبت بيني وبينهم أصداء نفوسنا فاندمجت عواطفنا المشتركة في وحدة صافية. فهذه المتعة الصوفية - متعة التجاوب النفساني والاندماج الروحي - هي التي تحفزني إلى نشر هذا الشعر كيفما كانت قيمته الفنية.
وقد ذكر بعض حضرات النقاد أن كل ما يتمنونه علي هو الاستجمام وتجنب الإسراع في قرض الشعر. واستشهدوا بشعر لي تفضلوا فعدوه من أروع الشعر العصري فلما نظرت فيه لم أجده غير شعر أمليته ارتجالا. فلم أر بدا من ذكر كلمة للحقيقة التاريخية التي يندر أن تنصف في النقد الأدبي، ولم أر مناصا من أن أصرح بأني لم أتنبه كثيرا إلى أمر هذه السرعة النظمية ولا أعتد بها، وكل ما أعرفه أن العاطفة تجيش في نفسي أو التفاعل الفني لأثر أو كائن يغالبني فلا ألبث بعد زمن طويل أو قصير أن أردد صدى وقعه في قلبي بنغمة من النغمات إما ارتجالا أو رويا، بسرعة أو ببطء، حسب فيضه وقوة ذلك الفيض، وربما كان الوقت الفاصل بين عامل التأثير وقرض الشعر من أثر ذلك الإيحاء مديدا، وربما كان وجيزا، وكذلك وقت النظم ذاته. وعندي أنه لا يعني الفن شيء من ذلك وإنما يعنيه قيمة الأثر الفني وحده الذي يخرجه الفنان. وإذا كنت سريع النظم اعتيادا فالحقيقة أن الزمن الذي أصب فيه هذا الشعر قد يتفق أو لا يتفق والزمن الذي يخلق فيه هذا الشعر بنفسي، وليس لي حول في صده بأية صورة من الصور، فما تزال العاطفة تلج بنفسي ثم تلج حتى أعبر عنها وإلا استولى علي الضيق والكمد. فهذه هي أنفاس وفلذات من صميم وجداني لا يجوز أن أسأل عن صورة خلقها ولا عن ظروفه، وإنما أقدمها في هيكل الفن قرابين وصلوات.
Shafi da ba'a sani ba
أحمد زكي أبو شادي
ضاحية المطرية ديسمبر 1932
إلمامة
فلسفة الشعر
من السهل كتابة مجلد حاشد بعشرات المسائل التي تشملها فلسفة الشعر؛
1
فإن الإسهاب في هذه الأبحاث أهون من الاقتضاب، وليس من الميسور أن يتناول المتأمل المدقق في فراغ ضيق محدود إلا نقطا يسيرة معدودة، وهذا ما أحاوله في هذه الكلمة الوجيزة.
الشعر في حقيقته لغة الشعور وتصويره، ولكنه ليس بلغة الشعور السطحي أي إنه يعبر عما وراء المظاهر الواقعية. وهو في جماله المستحب إنما يعبر بلغة الإنسانية في طفولتها، وبلغة الوجدان التي لا يسيطر عليها العقل. بيد أن العقل الإنساني في تطور عظيم وفي نضوج مستمر على حساب سواه من المواهب العصبية، ولذلك يواجه الشعر بتعاقب الأجيال خطر المنطق وسيطرته، ومحاولة الحقيقة العلمية أن تسود الحقيقة الشعرية.
ولغة الإنسانية في طفولتها متصلة بالأساطير والخرافات وبالتعاليل الساذجة وبالروعة من مظاهر الطبيعة وتفاعيلها، وهذه تكسب الشعر مسحة جميلة لأن كل هذه الأشياء متصلة بالشعور والعقيدة الدينية التي هي بمثابة عواطف مركزة، ونحن نقول الشعر بعواطفنا ويتصل فهمنا به عن سبيل العواطف، ولذلك نميل إلى نعت هذا النوع من الشعر «بالشعر الصافي».
ولغة الإنسانية في رجولتها النامية في هذا الزمن وفيما بعده هي لغة المنطق والذكاء والفلسفة العلمية والحكمة وما إليها؛ ولذلك لا نميل إلى اعتبار الشعر الذي تقدمه هذه اللغة إلينا شعرا صافيا ونراه بعيدا عن العواطف والوجدان.
Shafi da ba'a sani ba
على أن هناك محاولات جديدة في العهود الأخيرة ترمي إلى الجمع بين الصورتين بحيث تستوعب نفحات العاطفة ثمار العقل عند التعبير الشعري. ومعنى هذا أن تتحول الفلسفة والحكمة والعلم إلى إيمان صادق في نفس الشاعر فتتمثل في شعوره ونظمه. وهذا لن يكون بطبيعة الحال تعمدا عن طريق الصناعة، وإنما يكون حيث يوجد الشاعر الذي له بطبيعته وتربيته هذه النزعة فتصير عواطفه وإيمانه وعلمه وفلسفته وحدة تكاد لا تقبل التجزئة.
فأما مثال «الشعر الصافي» فتجده عند أبي نواس وابن خفاجة وشلي وكيتس ووردزورث مثلا، وأما «الشعر العلمي المنطقي» فأظهر أمثلته بيننا شعر الأستاذ الزهاوي. وأما شعر «العاطفة الفلسفية» التي تقدم لك إحساسا صادقا تمتزج فيه نوافح الوجدان بأحكام العقل امتزاجا شائقا مقبولا؛ ففي أمثلة مختارة من شعر أبي العلاء المعري وشعر المتنبي، ولعل أخلد الأمثلة لذلك دالية أبي العلاء المشهورة.
وفي رأيي أن هذا النوع الأخير من الشعر لا يقل سموا عن «الشعر الساذج الصافي»، وربما جاز لنا أن نعده أسمى أنواع الشعر؛ بل شعر المستقبل. ولما كان الشعر «كالأدب عامة» نقدا للحياة لم يكن من الغرابة ولا من المجازفة أن نقدم هذا الرأي حينما نلحظ متجه التطور للعقل الإنساني.
وبين أعلام أدبائنا من لا يرضيه ظهور هذه النزعة في الشعر الإنجليزي وفي الشعر العربي الجديد ويؤثر الشعر الفرنسي عليهما، وبينهم من يرى أن الشعر ينبغي أن يكون قصرا على الظرف واللهو والمداعبة والاستهتار أحيانا. ولكننا لا نعرف أن الحياة هي هذا وحده، ولا نرى الشعر الذي يقتصر على هذه النماذج شعرا جامعا سواء في روحه أو مشتملاته، ولا يكفيني أن يكون الشاعر مصورا، ولا يرضيني أن يكون حاكيا وإنما يعنيني أن يكون أيضا خالقا لمثل أعلى، وهذا ما ينقله توا إلى دائرة الفيلسوف. على أني - مع اعترافي بذلك - أكرر أن الشاعر الفلسفي النزعة الذي لا تخاصم عواطفه عقله، والذي يرضى عقله أن يعهد إلى العواطف في أن تعبر عنه بلغتها، هو أسمى الشعراء على الإطلاق.
وإذا آمنت معي بهذه النظرية لم تجد مانعا لأن تهضم الحقيقة الشعرية أية حقيقة علمية. وهذا الأستاذ ترفليان صاحب كتاب «تاميرس
Thamyris » لا يرى ما يمنع هضم الزراعة والهندسة والطب ونحوها في الشعر، فالعبرة في كل ذلك بتأثر عواطف الشاعر بكل هذا ثم بطريقة أدائه، وهل هو يجعل من العلم شعرا، أم يجعل من الشعر علما. وهذا شوقي بك نظم كما نظمت في تربية النحل فكانت قصيدته المشهورة في هذا الموضوع من أجمل وأنفس شعره.
وكما أن خصب التربة شرط أساسي في مقدمة العوامل لحسن إنتاجها، أو كما أن لكل تربة ما هو أصلح لها من غرس، فكذلك لا ينتظر أن يثمر أي نوع من الشعر بدرجة واحدة في كل ذهن، بل لا عجب إذا رفضته بعض الأذهان. وقبول الشعر هو أثر لنوع من الإيحاء، وليست كل النفوس سواء في التأثر بإيحاء بعينه؛ ومن ثم كان من العدل أن لا تلقي العيب على الشعر وحده إذا لم يكن له أثر محسوس في بيئة معينة ليس لها الاستعداد الكافي للتأثر به وإن كانت لها القابلية للتأثر بسواه، فهذه كلها أمور نسبية ليس من الحكمة والصواب أن تكون موضع الجزم والحتم.
ومما يشرف الشعر أن يمثل بيئته أصدق تمثيل ولا يكون في مجموعه غريبا عنها، ولكن مما يزيده شرفا أن يمثل في نواح منه الحقيقة الإنسانية الشاملة وأن لا يكون مجرد مرآة بل روحا خالقة حافزة إلى جانب ذلك.
وقد أشرت غير مرة إلى «الحقيقة الشعرية» كشيء يختلف عن «الحقيقة العلمية» وأراني مطالبا بشيء من التفسير، فأقول إن «الحقيقة العلمية» تحتم التعريف الصادق منطقيا وواقعيا، بينما «الحقيقة الشعرية» لا تحتم إلا صدق الخيال والإحساس. ومن الجائز أن يقول شاعر مريض أو سليم شعرا لا يمكن أن يوافق أبسط مبادئ العلم أو المنطق أو يكون كله شذوذا عجيبا ، ومع ذلك نعد هذا النظم ذا «حقيقة شعرية» لأنه يعبر في صدق وإخلاص تام عن نفسية ذلك الشاعر في ظروف خاصة، ويمثل حقا وحدة العواطف والإيمان الذي في لبه. ومن أجل ذلك أميل إلى الاستعانة بعلم النفس في نقد الشعر فهو أولى من سواه من العلوم الشكلية في تحليل وتقدير لغة النفس وصورها.
ويميل بعض النقاد إلى النظر في مسألة الإنتاج الشعري نظرة فلسفية، ولا بأس بذلك. ومعظمهم يرى أن الإقلال أنسب للإتقان الفني في الشعر. أما أنا فرأيي الخاص هو أن الشاعر المطبوع مكثر بفطرته وليس مقلا، فإذا لم يظهر له شعر كثير فليس هذا مما يناقض نظريتي، بل يكون معناه أن شعره محول إلى منافذ أخرى في حياته، فقد يكون لهوا أو رياضة ذهنية أو رقصا أو عزفا أو غير ذلك، وهكذا تتخذ قوته الشعرية مظاهر مختلفة وربما لم يكن سبب لذلك سوى تهيبه النظم وانصرافه عنه لعوامل اجتماعية أو شخصية. ومن شيوخ شعرائنا المطبوعين الذين نبذوا الأحجام شوقي ومطران، وهما من أكثر الشعراء إنتاجا، وكأنما المرانة قد ساعدت على إنضاج مركز الطبع الشعري في ذهنيهما، فأصبحا تحت تأثير فسيولوجي لا يهدأ وهو ذو مستوى خاص في كل منهما لا يضعفه غير الكلال، فلا يفسد قيمة إنتاجهما الإكثار ما دام ذلك طبيعيا، وعندي أن الإقلال المصطنع لا يقل سوءا وقبحا عن الإكثار المصطنع، وإنما الجمال يكون في إطلاق النفس الشاعرة على سجيتها.
Shafi da ba'a sani ba
وما دمنا قد أشرنا إلى الإيحاء وتأثيره فلا بد من كلمة عن لغة الشعر. وخيرها عندي ما ناسب المقام لفظا وجرسا بحيث يكون اللفظ والمعنى وحدة متماسكة في تأدية الإحساس الشعري ونقله إليك، ولذلك أوثر في كل بيئة الموسيقية الشعرية التي توافق روحها. ويعلم القراء أني لست من أنصار اللهجة العامية، ولكني أرتاح إلى تمصير العربية أو تعريب المصرية بحيث يظهر في أدبنا المصري روح هذا الوطن الرقيق الوديع الذي يمثله شعر البهاء زهير أصدق تمثيل، وقد يمثله شعر ابن قلاقس وابن النبيه وابن نباتة أحيانا . وأما الرجوع بنا إلى لهجة العصر الأموي والعصر العباسي فليس من التجديد ولا من إنصاف بيئتنا في شيء. وأرى بيئتنا المصرية الحاضرة متفرنجة فلا يمكن تجريد شعرنا العصري من روح التفرنج، ولن يخاف ذلك إلا كل متصنع يحتمي - خداعا أو جهلا منه بفلسفة الشعر - وراء الغيرة على اللغة، حينما هو يسيء بذلك إلى لغته وشعره.
شعر الديوان
الشعلة
أيشعل نيران التطاحن غاشم
ويغفل عن نشر الحقيقة عالم؟
هلم يراعي! ولتكن أنت شعلة
تضيء سبيل الرشد فالرشد ناقم
لقد كثر العمي الذين تهافتوا
على أن يشقوا النهج والنهج قاتم
ولو أنهم أعطوا الضياء تعثروا
Shafi da ba'a sani ba
فما تنفع الأضواء واللحظ نائم
وما حظهم من ثروة حين حالهم
كحال فقير في يديه الدراهم؟
وكم من أجير سك مالا مجددا
فلا هو ذو بأس ولا هو غانم
تقدم يراعي! وانظر الحق ناصعا
فلم أر مثل الحق يؤذي المخاصم
تنادوا به والكل يهتف باسمه
وكل خصوم حوله ومغارم!
لقد صغروا حتى كأن لم تكن لهم
Shafi da ba'a sani ba
عقول وكادت تشمئز الجماجم!
وقد جهلوا فهم الحياة فلم تعد
تبين لغى الأحداث
1
وهي التراجم
وصاحوا وصاحوا، والصدى يضحك الصدى
وما هكذا تشجى الليوث الضراغم
ولو أنهم هبوا إلى الخير مرة
مع الحلم لم تعبث بمصر المظالم
فهل فقدت من مصر كل زعامة
Shafi da ba'a sani ba
وهل تخلق القواد فينا المزاعم؟!
وما عرف الأبطال يوما بصيحة
ولكن هوى الأبطال تلك العظائم
فيا وطني لم يبق إلا التفافنا
على العلم المفدي والدهر راغم
لقد نال منا في قرون طويلة
فأحر بنا أن لا يخادع حالم
وأحر بنا أن ينهك الأرض زحفنا
وأن يعلن الإقدام منا الزمازم
2
Shafi da ba'a sani ba
فأما وماضي المجد أصبح صورة
وماتت كما متنا السيوف الصوارم
فهل يخذل القواد حتى بحبهم
ذويهم؟ وهل دون التآخي الدعائم؟
لخير لنا أن نغتدي دون قائد
من الحرب كل في رداها يساهم
وما أنا من ينسى لهم فضل ما مضى
ولا أنا من ينسى الذي هو قادم
ولكنما هذا التطاحن هوة
تردوا بها فالغانم اليوم غارم
Shafi da ba'a sani ba
الشعاع الضائع
أبليت أنفس أعوامي على حرق
فما حياتي بقلب جد محترق؟
ما كان يوما ليرعاني ويرحمني
فعشت مثل أسير اليم في قلق
مكافحا، وهو في أمن يخال به
وكل يوم له لون من الغرق!
ماذا استفدت وما جدواه من شجني
ومن عناء بلا حد ولا رمق؟
قد كاد يطفأ إشعاعي ولا عجب
Shafi da ba'a sani ba
بعض الرشاد شبيه الطيش والنزق
الناس تبخل في مال وفي نشب
وما بخلت بروحي قبل مرتزقي
والشمس تفنى ضياء وهي محسنة
ولا ثناء لها حتى من الشفق
3
تمضي المآثر بين الناس ضائعة
كما يغيب شعاع الشمس في الغسق
4
الجوهر
Shafi da ba'a sani ba
تهليلة للفن
عش بقلبي يا إله الشعراء
ما اكتفى شعري ولم يسأم دعائي
تتراءى لوفي شاعر
نافذ الحس عزيز لا يرائي
أنا أهواك خلودا دائما
في كياني، لا خلودا في المرائي
كي أعيش العمر فنا خالصا
إنما الفن حياة الأنبياء •••
لم أكن لولاك أرضى منزلي
Shafi da ba'a sani ba
هذه الأرض ولا أرضى سمائي
بك أستجلي وجودا آخرا
وخلاصا من عذاب وشقاء
وأصوغ الآي تلو الآي من
حكمة بزت جلال الحكماء
لحظت نفسي خفاياها، وإن
كانت النفس كتيه الصحراء
واستقلت عن قيود جمة
من حياة الأرض سبحا في الفضاء
في حياة لم يعد من حدها
Shafi da ba'a sani ba
ما يصد الروح عن هذا الضياء
كل ما فيها ابتكار دائم
فابتكار الفن في غير انتهاء
أنت أنت الجوهر الفرد الذي
من ينله يمتلك روح البقاء
موكب الجمال
حججنا إليه محرمين، وإن يكن
تجردنا من نزوة وصغار
ولكن قلبي ما تجرد لحظة
من النار، إن النار بعض شعاري!
Shafi da ba'a sani ba
حججنا إليه والهوى يسبق الهوى
إلى الهيكل الضاحي إلى المعبد الحالي
فلما بلغناه هوى يلثم الثرى
رفاقي، وباحوا للجمال بآمال
ولكنني أخرست من رهبة له
كما تخرس الشمس الحمام طلوعا
فلما أفاقت مهجتي من ذهولها
تدفق قلبي بالنظيم دموعا
وأودعت نفسي في قصيدة شاعر
تحرر إلا من عبودية الحسن
Shafi da ba'a sani ba
وصار إلها وهو عبد لوحيه
كذلك رب الفن إن عاش للفن
فلما انتهينا من نشيدي وشدوهم
وكم ملء تعبير الفنون جنون
تبسم هذا الحسن حين ابتسامه
فتون، وما كل الفتون فتون
أخذنا عليه العهد من بسماته
وصرنا رجال العزف والنقش والحفر
وألهمت تقديس الجمال روائعا
من الشعر حين الشعر أليق بالشعر
Shafi da ba'a sani ba
الصبا الدائم
جرت السنون كأنني ما شمتها
تجري، فلم أبرح سنين صبايا
فإذا عشقت عشقت من روح الصبا
فلقد تعلق بالجمال نهايا
ما شاب قلبي في ربيع محبة
لا ينتهي حتى اتهمت خطايا
روح تفيض على الزمان صبابة
فإذا الجمال محاصر بهوايا!
كنز الحب
Shafi da ba'a sani ba
يعذب قلبي بالمحبة بينما
تملك منه الحب كل شغاف
وأشبع هذا الكون من حبه غنى
وما الكون للقلب المحب بكاف
فأين حبيب يملك الحب كله؟
وأين حبيب للمحبة واف؟
فما غير حسن في عوالم سحره
كفيل، وما غير التجاوب شاف؟
البتول
نظرت إلى المرآة ثم تأملت
Shafi da ba'a sani ba
تلك المحاسن في الرواء النادر
فاستصغرت شأو الزمان وأهله
ولو انهم خضعوا خضوع الصاغر
واستكبرت وأبت إجابة سؤلهم
كتكبر القدر المطل الجائر
لم تلق فيهم مشبعا لشعورها
بحنانه الفذ القوي الزاخر
فمضت تجانب كل قلب طائر
ونأت تباعد كل روح حائر
حتى تلاقت والفنون بعاشق
Shafi da ba'a sani ba