وكنا بالثياب منكرينا
وألقى الله ستر الحفظ فضلا
فلم ترنا عيون المبلسينا
وكان الخل منتظرا قدومي
بخيل أوصلتنا سالمينا «ونجى الله بعد اليأس عبدا
يرى الرحمن خير المنقذينا»
وإنك لترى هذا الشعر أقوى في الروح والأسلوب من شعره إبان الثورة، وهكذا يبدو أن الهزيمة لم تنل منه، بل زادته قوة وحيوية، وصلابة وبلاغة، وأن الشدائد صقلت مواهبه كما تصقل المعادن وتجلى جواهرها في لهب النار، فاحتفظ النديم في سني المحنة بما حباه الله من إيمان صادق، وعزم ثابت، وصمود على الأيام، وكذلك الشدائد والمحن، يختلف أثرها في نفوس الناس؛ فبينما تبعث اليأس والجزع في النفوس الضعيفة، نراها على العكس تزيد النفوس الكبيرة ثباتا وصبرا، وشجاعة وإيمانا، ومن هنا جاء شعر النديم بعد هزيمة الثورة أقوى منه في أوج انتصارها.
وفي الحق أن النديم هو الزعيم الوحيد بين الزعماء العرابيين الذي استمر في جهاده ضد الإنجليز ونضاله عن مصر في عهد الاحتلال، وتلك لعمري ميزة كبرى جديرة بأن تحيط اسمه بهالة من المجد والخلود، وقد اهتدت الحكومة إلى مكانه سنة 1891 وقررت نفيه إلى خارج القطر، وفي أوائل عهد الخديو عباس الثاني عفا عنه ورخص له بالعودة إلى مصر، فعاد إليها، وأنشأ مجلة «الأستاذ» سنة 1892، فتجلت فيها روحه الوطنية التي لم تضعفها الهزيمة ولم تنل منها الشدائد؛ مما أحفظ عليه الإنجليز وصنائعهم، فتدخل اللورد كرومر، وأمر بإبعاده من مصر ثانية، فاضطر إلى تعطيل صحيفته سنة 1893، وودع قراءه وداعا مؤثرا في آخر عدد صدر منها (في 13 يونيو سنة 1893) قال:
ما خلقت الرجال إلا لمصابرة الأهوال ومصادمة النوائب، والعاقل يتلذذ بما يراه في فصول تاريخه من العظمة والجلال، وإن كان المبدأ صعوبة وكدرا في أعين الواقفين عند الظواهر؛ وعلى هذا فإني أودع إخواني قائلا:
أودعكم والله يعلم أنني
Shafi da ba'a sani ba