وهؤلاء يقولون: قوله لخديجة: ”ما أبدلني الله بخير منها“ - إن صح - معناه: ما أبدلني بخير لي منها، لأن خديجة نفعته في أول الإسلام نفعا لم يقم غيرها فيه مقامها، فكانت خيرا له من هذا الوجه، فكونها نفعته وقت الحاجة، لكن عائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين، فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلا أول زمن النبوة، فكانت أفضل بهذه الزيادة، فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت بغيرها، وبلغت من العلم ما لم يبلغه غيرها(1) ، فخديجة كان خيرها مقصورا على نفس النبي صلى الله عليه وسلم، لم تبلغ عنه شيئا، ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعوا بعائشة، ولا كان الدين قد كمل حتى تعلمه ويحصل لها من كمال الدين به ما حصل لمن علمه وآمن به بعد كماله، ومعلوم أن من اجتمع همه على شيء واحد كان أبلغ فيه ممن تفرق همه في أعمال متنوعة، فخديجة رضي الله تعالى عنها خير له من هذا الوجه، ولكن أنواع البر لم تنحصر في ذلك. ألا ترى أن من كان من الصحابة أعظم إيمانا وأكثر جهادا بنفسه وماله، كحمزة وعلي وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وغيرهم، هم أفضل ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وينفعه في نفسه أكثر منهم، كأبي رافع وأنس بن مالك وغيرهما.
وفي الجملة.. الكلام في تفضيل عائشة وخديجة ليس هذا موضع استقصائه. لكن المقصود هنا أن أهل السنة مجمعون على تعظيم عائشة ومحبتها، وأن نساءه أمهات المؤمنين اللاتي مات عنهن كانت عائشة أحبهن إليه وأعلمهن وأعظمهن حرمة عند المسلمين.
Shafi 12