وهو فاحص عن العلم الطبيعى يجب أن يستهزأ (1) به ، إذ (2) يريد أن يبرهن من الصناعة نفسها على مبادئها. وأما إن لم يرد هذا أو تأويل آخر مناسب لهذا ، بل أريد أن وجود هذه القوة بين بنفسه ، فهو مما لا أصغى إليه ولا أقول به. وكيف وقد يلزمنا كلفة شاقة (3) أن نثبت أن لكل متحرك محركا. وقد تجشم ذلك مفيدنا (4) هذه الآراء تجشما يعتد به ، فكيف يستهزأ بمن يرى حركة ويلتمس الحجة على إثبات محرك لها فضلا عن أن يسلم محركا ويجعله خارجا. إلا أن الحق هو أن القول بوجود (5) الطبيعة (6) مبدأ للعلم الطبيعى ، وليس على الطبيعى أن يكلم (7) من ينكرها (8) وإنما إثباتها على صاحب الفلسفة الأولى ، وعلى الطبيعى تحقيق (9) ماهيتها. وقد حدت (10) الطبيعة بأنها مبدأ أول لحركة ما يكون فيه وسكونه بالذات لا بالعرض ليس على أنها يجب في كل شيء أن يكون مبدأ للحركة والسكون معا بل على أنها مبدأ لكل (11) أمر ذاتى يكون للشيء (12) من الحركة إن كانت والسكون إن كان.
ثم بدا لبعض من ورد من بعد أن يستقصى (13) هذا الرسم ويوخى (14) أن يزيد عليه زيادة ، فقال : إن هذا إنما يدل على فعل الطبيعة لا على جوهرها (15)، فإنه إنما يدل على نسبتها إلى ما يصدر عنها ويجب أن يزاد في حدها ، فيقال : إن للطبيعة (16) قوة سارية في الأجسام تفيد الصور والخلق (17) هى مبدأ لكذا وكذا. ونحن مبتدءون بأنه معنى الرسم المأخوذ عن الإمام الأول ثم نقبل على كفاية هذا المتكلف لزيادة كلفته موضحين (18) أن ما فعله ردى (19) فاسد غير محتاج إليه ولا إلى بدله فنقول : إن معنى قولنا : مبدأ للحركة ، أى مبدأ فاعلى (20) يصدر عنه التحريك فى غيره وهو الجسم المتحرك. ومعنى قولنا : أول ، أى قريب لا واسطة بينه وبين التحريك ، فعسى أن تكون النفس مبدأ لبعض حركات الأجسام التي هى فيها (21) ولكن بوساطة (22).
وقد ظن قوم أن النفس تفعل حركة الانتقال بتوسط الطبيعة ، ولا أرى الطبيعة تستحيل محركة للأعضاء خلاف ما توجبه ذاتها طاعة للنفس فلو استحالت الطبيعة كذلك لما حدث الإعياء عند تكليف النفس إياها غير مقتضاها ، ولما تجاذب مقتضى النفس ومقتضى الطبيعة. وإن (23) عنى بذلك أن النفس تحدث ميلا وبالميل
Shafi 31