بعضهم أنه هو السطح الأعلى من الجسم الأسفل دون سائره ، وربما عنوا بالمكان الشيء الحاوى للشيء كالدن (1) للشراب والبيت للناس. وبالجملة ما يكون فيه الشيء ، وإن لم يستقر عليه (2)، وهذا هو الأغلب عندهم وإن لم يشعروا به. إذ الجمهور منهم يجعلون السهم ينقذ فى مكان ، وأن السماء والأرض عند من فهم (3) صورة العالم منهم مستقرة فى مكان ، وإن لم تعتمد على شيء. لكن الحكماء وجدوا للشيء الذي يقع عليه اسم المكان بالمعنى الثاني أوصافا ، مثل أن يكون فيه الشيء ، ويفارقه بالحركة ، ولا يسعه معه غيره ، ويقبل المنتقلات إليه ، ثم تدرجوا قليلا (4) إلى أن توهموا أنه حاو. وإذ (5) كان المتمكن موصوفا بأنه فيه ، فلما أرادوا أن يعرفوا ماهية هذا الشيء وجوهره ، فكأنهم قسموا فى أنفسهم ، فقالوا إن كل ما يكون خاصا بالشيء ولا يكون (6) لغيره ، فلا يخلو إما أن يكون داخلا فى ذاته ، أو يكون خارجا عن ذاته ، فإن كان داخلا فى ذاته ، فإما ان يكون هيولاه ، وإما أن يكون صورته ، وإن كان خارجا عن ذاته (7)، ويكون مع ذلك يساويه ويخصه ، فهو إما نهاية سطح يلاقيه ويشغل (8) بمماسته ولا يماسه غيره ، إما محيط وإما محاط (9) مستقر عليه أيهما اتفق وإما أن يكون بعدا يساوى أقطاره ، فهو يشغله بالاندساس فيه. فمنهم من زعم أن المكان هو الهيولى ، وكيف (10) لا والهيولى (11) قابل للتعاقب ، ومنهم من زعم أن المكان هو الصورة وكيف لا وهو أول خاو محدود (12)، ومنهم من قال إن المكان هو الأبعاد ، فقال إن بين غايات الإناء (13) الحاوى للماء أبعادا مقطورة ثابتة ، وأنها يتعاقب عليها الأجسام المحصورة فى الإناء (14). وبلغ بهم الأمر إلى أن قالوا إن (15) هذا مشهور (16) مفطور عليه البديهة ، فإن الناس كلهم يحكون (17) أن الماء فيما بين أطراف الإناء ، وأن الماء يزول ويفارق ويحصل الهواء فى ذلك البعد بعينه ، واحتجوا أيضا بضروب من الحجج ، فقالوا وهم يخاطبون خاصة أصحاب السطوح (18) أنه إن (19) كان المكان سطحا يلقى سطح الشيء ، فتكون الحركة هى مفارقة سطح متوجها إلى سطح آخر فالطائر الواقف فى الهواء ، والحجر الواقف فى الماء (20)، وهما يتبدلان عليه ، وهو يفارق سطحا إلى سطح ، يجب أن
Shafi 115