مثال ذلك قولك: ماش، فإنه يدل على المشى وعلى موضوع غير معين وعلى أن المشى له. وأما الكلمة فتدل مع ذلك على زمان، وهو زمان النسبة، كقولك: يمشى، فإنه يدل على المشى، وعلى موضوع غير معين، وعلى وجود المشى له، وعلى كون ذلك فى المستقبل. وليس كل ما يسمى فى اللغة العربية فعلا هو كلمة، فإن قولهم: أمشى ويمشى فعل عندهم، وليس كلمة مطلقة؛ وذلك لأن الهمزة دلت على موضوع خاص، وكذلك التاء. فصار قولك: أمشى أو مشيت صدقا أو كذبا، وكذلك يمشى ومشيت. وكأن ذلك فى حكم قولك أنا أمشى، وأنت تمشى وأنا مشيت، ومفهومها مفهوم واحد. وهذا بالحقيقة موضع نظر، فإن هذه اللفظة لا تخلو إما أن تكون مفردة أو مركبة، فإن كانت مفردة فلا ينبغى أن تكون صادقة، أو كاذبة فقد جزمنا القول على أن الألفاظ المفردة لا صدق فيها ولا كذب، وإن كانت مركبة فيجب أن يكون لها أجزاء دوال. فهب أن الهمزة من قولنا أمشى دلت على معنى والتاء من تمشى دلت على معنى، فالباقى جزء وليس يدل على معنى. وجه من الوجوه؛ فإن اللفظة المركبة من ميم ساكنة مبتدأ بها، ثم شين، ثم ياء، إما أن لا يكون لفظا بنفسه البتة إن كان حقا ما يقال من أن الساكن لا يبتدأ به أو يكون لفظا لا يدل على معنى من المعانى إن أمكن أن يبتدأ به، كما قد يجوز الابتداء بالساكن فى لغات كثيرة. ولا يبعد أن يظن أنه إن كان أمشى مركبا أو فى حكم المركب فسيكون يمشى أيضا الذى لا صدق فيه ولا كذب، مركبا، فإن الياء تدل على غائب وليس التعيين بشرط فى أن يكون الدال دالا، فإنك إذا قلت إنسان دللت وإن لم تعين ولا فرق بين قولك يمشى وبين قولك شىء ما يمشى فستكون الكلمات المستقبلة كلها مركبات ، ولا تكون ألفاظا بسيطة. وكذلك لقائل أن يقول: إن الأسماء المشتقة أيضا مركبة أو فى حكم المركبة، فإنها محصلة من مادة هى حروف المشى، ومن صور قرنت بها فصارت دالة به على موضوع غير معين. فلها جزءان: جزء يدل على معني وهو المادة، وجزء يدل على آخر وهو الصورة. فالذى يجب أن نقول فى ذلك كله أولا فإنه لا اعتبار فى صناعة المنطق بما يكون بحسب لغة لغة ووضع وضع، فربما يتفق في لغة من اللغات أن يجعل للمعنى المؤلف لفظ مفرد لا يدل جزء من معناه فيكون اللفظ مفردا 0 ثم تكون لغة أخرى لم يوضع فيها لذلك المعنى المؤلف اسم مفرد ولايدل عليه إلا بلفظ مركب، فإذا ترجم معنى اللفظ إالى اللغة الأخرى لم يوجد لفظه إلا مركبا، وذلك مثل الجاهل فإنه لفظ مفرد لايدل عليه بالفارسية بلفظ مفرد، بل لفظ فيه تركيب من لفظين: أحدهما يدل على العدم، والآخر على العلم أو العالم 0 فيقال ((نادان)) فلا يجب أن يلتفت المنطقى في ذللك وما أشبهه ألى لغة معينة، بل يعلم أن لهذا المعنى أن يدل عليه بلفظ مفرد 0 فكذلك حال الكلمات في لغة العرب، فإن الماضى من الكلمات في العربية وغيرها لم يدل جزء منه على موضوع البتة كقولهم: صح، وقولهم: مشى، وكذلك المستقبل في لعة الفرس كما يقال ((بكنذ)) فإنه ليس فيه دلالة بجزء منه على الموضوع الغير معين ألبتة وفى بعض المواضع، فإن لغة الفرس لا تستعمل كلمة مفردة بل يقولون مثلا حيث نقول يصح درست شود كما إذا ترجم كان مطابقا لقولنا ((يصير صحيحا))، فيأخذون الاسم ويقرنون به كلمة زمانية ويجعلون جملته قائما مقام الكلمة. فلو كان جميع لغة الفرس علة هذه الصفة اضطر المترجمون لا محال إلى الدلالة على الكلمة المستقبلة بلفظ مؤلف فكان قد يسبق إلى بعض الأوهام أن الكلمة المستقبلة مؤلفة وليست كلمة مستقبلة مفردة كما كان قد يسبق إليه فى مثله أن الجاهل ليس له اسم مفرد. وإذا لم يكن النظر المنطقى بحسب لغة لغة حتى إنه إذا لك يكن فى لغة من اللغات كلمة تدل على الحاضر ضر المنطقين ذلك فى الدلالة على أقسام الكلمات الثلاث فكذلك لا يضر المنطقيين تعارف أهل اللغة فى أن لا يكون لها كلمة، بل يكون لها بدل الكلمة اسم مقرون بلفظ آخر يدل على ما تدل عليه الكلمة، بل يجب أن يعتبر منطقى ما يوجبه الحد، وهو ممكن أن يقع فى اللغة. فإنه لا محالة من الممكن أن يكون لفظ دال بتواطؤ على معنى وزمانه وهو مفرد، فذلك هو الكلمة، فإن لم يكن فى لغة العرب فلا حرج. وأما حديث الهيئة التى اقترنت بمادة حروف المشى فى مشى أو فى ماش فكان جزءا من الجملة يدل على موضوع، فلا يجب أن يلتفت إلى مثل هذا الجزء، فإنه إنما يعنى بالجزء ها هنا جزء من جملة أجزاء تترتب فتلتئم منها الجملة فهى أجزاء المسموع ألفاظا أو مقاطع أو حروفا مصوتة أو غير مصوتة. وبعد ذلك، فإن ما ادعوه من وجود الصدق فى قولنا ((يمشي)) وأنه فى قوة قولنا إن شيئا ما يمشى فهو غلط؛ وذلك لأن قولنا ((يمشى)) وإن كان فيه تركيب بحسب لغة العرب، وكانت الياء منه تدل على موضوع غير معين فليس معنى قولنا موضوع غير معين أنه يدل على أى واحد اتفق من أمور هى تحت كلى من الكليات على الوجه الذى ذكر فى تمثيل الإنسان بل يعنى به أن الياء تدل على أن له موضوعا متعينا فى نفسه دون غيره، وإن كان لم يتعين وهو غائب، ويحتاج أن يفسر ويدل عليه فيتعين، فإن النسبة موجه إليه فهو غير معين من وجه ومعين من وجه. فإن القائل إذا قال ((يمشى)) ليس يريد بهذا أن المشى موجود فى واحد من أمور العالم، أى شئ كان، حتى يكون كأنه يقول إن شيئا من الأشياء التى فى العالم موجود له المشى أى شئ كان. فإنه إن عنى بيمشى هذا المعنى كان قوله يمشى يكون صادقا إن كان فى العالم شئ يمشى ويكون كاذبا إن لم يكن فى العالم شئ يمشى إذا أخذ يمشى على أن معناه معنى الحكم بأن شيئا من العالم يمشى. وذلك أن قولك: شئ من العالم يمشى يحتمل معنيين: أحدهما الشئ من العالم الموصوف بأن له مشيا فى زمان كذا؛ فيكون هذا التركيب تركيب تقييد لا تركيب حمل ولا صدق فيه ولا كذب، والثانى هو أن شيئا من العالم يحكم عليه بأنه يمشى. وأولهما لا يدخل فيه فى لغة العرب إن، وأما الآخر فقد يدخل فيه. وليس أحدهما مدلولا عليه بلفظ يمشى وذلك لأن الشئ من العالم الموصوف بأنه يمشى إذا دل عليه بلفظ مفرد كان ذلك اسما ولم يكن كلمة، ويصح أن يحمل على زيد حمل الاسم، وأما الآخر فإنه لا يحمل على زيد البتة ولا هو فى قوة اسم مفرد. فقد بان أن معنى يمشى ليس هو على الوجه الذى يدخله الصدق والكذب، فليس كونه دالا على معنى غير معين من هذا القبيل، بل دلالته على المعنى الغير معين ليس على تجويز أى معنى كان، وعلى أنه حاصل له موضوع ما كيف كان، بل على أنه معين فى نفسه ولم يصرح به ولم يعين بدلالة اللفظ. والأمر موقوف على التصريح به وهو غير متعين عند السامع مع علمه بأنه متعين عند القائل، فهو متوقف فى مصيره بحيث يصدق أو يكذب إلى أن يصرح بذلك المضمر، حتى إن كان ذلك المضمر معنى عاما أو شخصا أو كيف كان جاز، فإن المعنى العام، وإن كان لا يتعين فى جزئياته، فإنه متعين فى نفسه من جملة الأمور. فإن الشئ من حيث يوجد فى نفسه هو معنى معقول متعين، وإن كان ما يقع عليه من جزئيات تكون تحته غير متعين، وهو من حيث يتعين يخالف كل واحد من الجوهر والكم وأمور أخرى إذا كان ليس فى نفسه مقولا، وإن كان بعضها يقال عليها، فمتى صرح بذلك المضمر المنوى فى النفس صار القول حينئذ صدقا أو كذبا. وقلبه ليس بصدق ولا كذب، إذ ليس يجوز أن نعنى بقولنا يمشى الوجه الذى كان يتوهم أنه يصدق أو يكذب بانفراده، وليس كذلك قولنا أمشى أو يمشى. فقد صرح ها هنا بالموضوع وعين، فليس يحتاج إلى أن يفسر للسامع ذلك الموضوع مرة أخرى، فإنه دل فيه على شخص ولا أشد تعينا من الشخص ولو دل فيه على معنى عامى بأنه هو الموضوع من غير التفات إلى جزئياته لكان يكون صدقا أو كذبا؛ فكيف إذا كانت دلالته على شخص بعينه ؟ وأما الشبهة التى أوردت على أن التركيب غير موجود فى قولك ((أمشى)) بسبب أن الجزء الثانى لا يدل، فالجواب عن ذلك: أما أولا فإنه لم يكن قيل فى حد الكلمة إنها التى لا تدل جزاؤها كل واحد على معنى بنفسه، بل أن لا يوجد لها من جزء من أجزائها يدل على شئ من حكمها البتة وإذا وجد لها جزء يدل وإن لم يدل الآخر انثلم الحد ولم يكن المظنون به أنه كلمة. وأما ثانيا فإنه كما أن اللفظ يدل، فإذا صار جزءا لم يدل من حيث هو جزء. كذلك قد يجوز أن تكون اللفظة تدل من حيث هى جزء، ثم إذا انفردت لم تدل. وأنت تعلم أنه إذا قيل أمشى دلت الهمزة على الشخص القائل، ثم باقى اللفظ المؤلف من الميم والشين والياء يدل على باقى المعنى فينبه النفس على معنى المشى عندما هو مقرون بالهمزة وإن كان لا يدل وحده على ذلك ولا يستعمل، فيكون هذا الباقى بعد الهمزة يدل إذا استعمل جزءا على ما لا يشك فيه أنه يدل عليه، وأما مفردا فلا يدل. فليكن هذا كافيا فى حل هذه الشبهة.ير معين ليس على تجويز أى معنى كان، وعلى أنه حاصل له موضوع ما كيف كان، بل على أنه معين فى نفسه ولم يصرح به ولم يعين بدلالة اللفظ. والأمر موقوف على التصريح به وهو غير متعين عند السامع مع علمه بأنه متعين عند القائل، فهو متوقف فى مصيره بحيث يصدق أو يكذب إلى أن يصرح بذلك المضمر، حتى إن كان ذلك المضمر معنى عاما أو شخصا أو كيف كان جاز، فإن المعنى العام، وإن كان لا يتعين فى جزئياته، فإنه متعين فى نفسه من جملة الأمور. فإن الشئ من حيث يوجد فى نفسه هو معنى معقول متعين، وإن كان ما يقع عليه من جزئيات تكون تحته غير متعين، وهو من حيث يتعين يخالف كل واحد من الجوهر والكم وأمور أخرى إذا كان ليس فى نفسه مقولا، وإن كان بعضها يقال عليها، فمتى صرح بذلك المضمر المنوى فى النفس صار القول حينئذ صدقا أو كذبا. وقلبه ليس بصدق ولا كذب، إذ ليس يجوز أن نعنى بقولنا يمشى الوجه الذى كان يتوهم أنه يصدق أو يكذب بانفراده، وليس كذلك قولنا أمشى أو يمشى. فقد صرح ها هنا بالموضوع وعين، فليس يحتاج إلى أن يفسر للسامع ذلك الموضوع مرة أخرى، فإنه دل فيه على شخص ولا أشد تعينا من الشخص ولو دل فيه على معنى عامى بأنه هو الموضوع من غير التفات إلى جزئياته لكان يكون صدقا أو كذبا؛ فكيف إذا كانت دلالته على شخص بعينه ؟ وأما الشبهة التى أوردت على أن التركيب غير موجود فى قولك ((أمشى)) بسبب أن الجزء الثانى لا يدل، فالجواب عن ذلك: أما أولا فإنه لم يكن قيل فى حد الكلمة إنها التى لا تدل جزاؤها كل واحد على معنى بنفسه، بل أن لا يوجد لها من جزء من أجزائها يدل على شئ من حكمها البتة وإذا وجد لها جزء يدل وإن لم يدل الآخر انثلم الحد ولم يكن المظنون به أنه كلمة. وأما ثانيا فإنه كما أن اللفظ يدل، فإذا صار جزءا لم يدل من حيث هو جزء. كذلك قد يجوز أن تكون اللفظة تدل من حيث هى جزء، ثم إذا انفردت لم تدل. وأنت تعلم أنه إذا قيل أمشى دلت الهمزة على الشخص القائل، ثم باقى اللفظ المؤلف من الميم والشين والياء يدل على باقى المعنى فينبه النفس على معنى المشى عندما هو مقرون بالهمزة وإن كان لا يدل وحده على ذلك ولا يستعمل، فيكون هذا الباقى بعد الهمزة يدل إذا استعمل جزءا على ما لا يشك فيه أنه يدل عليه، وأما مفردا فلا يدل. فليكن هذا كافيا فى حل هذه الشبهة.مزة على الشخص القائل، ثم باقى اللفظ المؤلف من الميم والشين والياء يدل على باقى المعنى فينبه النفس على معنى المشى عندما هو مقرون بالهمزة وإن كان لا يدل وحده على ذلك ولا يستعمل، فيكون هذا الباقى بعد الهمزة يدل إذا استعمل جزءا على ما لا يشك فيه أنه يدل عليه، وأما مفردا فلا يدل. فليكن هذا كافيا فى حل هذه الشبهة.
وقد بقى الآن أن مبحث عن شئ وهو أن الملحق بما عبرنا به عنه من الزيادة وهو قولنا وهو أبدا دليل على ما يقال على غيره جزءا من الحد أو خاصة ألحقت بالحد؛ فنقول: أما من كان عقده فى الحدود فى أنها تراد لتدل على تمييز ذاتى، فإذا حصل التمييز تم به الحد، فلا يبعد أن يقع عنده أن هذه الزيادة خارجة عن الحد. لكن المحصلين من أهل صناعة التحديد لا تنصرف هممهم فى الحدود إلى ذلك، بل وكدهم الدلالة على ماهية الشئ وحقيقته بكمالها. وأنهم إذا وجودا عبارة ما قد ميزت الذاتيات لكنها خلفت فصلا صوريا أو ماديا وراءها، لم يقنعوا بما فعلوا، ولم يكن الحد قد بلغ تمامه عندهم وسيأتيكم لهذا فى. وضعه شرح بالغ.
فإذا كان كذلك فبالحرى أن تكون هذه الزيادة التى تدل على أحد الشرائط التى تتقوم بها الكلمة، وهو النسبة إلى موضوع غير معين محتاجا إليها ومكملة لحال الدلالة على الزمان، وليس احتياج الكلمة إلى النسبة أقل من احتياجها إلى الزمان. وكيف وهى أولى وما لم تكن نسبة لم تكن زمان نسبة !
الفصل الرابع (د) فصل في تعريف حال المصدر وتعلق الكلمة والاسم المشتق به وحال الكلمة المحصلة وغير المحصلة والمصرفة وغير المصرفة
Shafi 161