وهذا قانون دقيق يجب أن يحفظ لمواضع أخرى. وكثيرا ما يقع من جهة المقارنة نوع من الغلط إذا لم يعلم أن الشىء مأخوذ مقارنا لشىء غير الجملة التى تحصل منه ومما يقارنه وكذلك الوحدة التى مع الستة، من حيث هى مع الستة، غير المجتمع منها ومن الستة التى هىالسبعة ولكن على حد الاسم شكوكا؛ وذلك لأن الزمان اسم ويدل على الزمان، والمتقدم اسم ويدل على شىء فى زمان ماض، وكذلك أمس، وكذلك التقدم اسم ويدل على أنه حاصل فى زمان ماض، فنقول الآن فى حل هذه الشكوك: أن الشىء يدل على المعنى وعلى الزمان بوجوه ثلاثة أحدها أن يكون الزمان نفس المعنى، والثانى أن يكون الزمان جزء حد المعنى المدلول عليه وإن لم يكن نفسه، والثالث أن يكون الزمان شيئا خارجا عن المعنى يلحقه فيقترن به اقترانا يدل عليه التصريف. ومعنى التجريد من الزمان هو أن يبرأ المدلول عليه من زمان يلحقه، فإن التجريد من البياض هو التبرئة عن بياض لاحق، أعنى أن التجريد هو تبرئة عن شىء لو لم يبرأ عنه لكان لاحقا من خارج. وإذا قيل جرد فلان عن الثوب، عنى به أنه أبين بينه وبين الثوب الذى لو لم يبنلكان ذلك الثوب لا حقا له، لا ذاته ولا جزء حد له؛ فإن الشىء لا يقال إنه تجرد عن ذاته أو عن جزء حد له؛ فإن من قال إن الإنسان قد يتجرد عن الإنسانية قال شططا إلا أن يعنى أن مادة الإنسانية قد جردت عن الإنسانية. فحينئذ الإنسانية تكون أمرا خارجا عنها أيضا وكذلك إن قال إن الإنسان تجرد عن الحيوانية كان محالا، إلا أن يعنى الوجه المذكور.
فمعنى قولهم " مجرد عن الزمان " هو أن لا يدل معه على زمان يلحقه من الأزمنة كان لحوقه به صدقا أو كذبا. فلفظ الزمان يدل على معنى هو الزمان ومجردا عن زمان تدل اللفظة على أنه كان فيه الزمان ولفظ المتقدم يدل على معنى يوجد فى حده الزمان لكنه مجرد الدلالة عن الزمان اللاحق إياه من خارج حتى إذا قيل تقدم دل حينئذ على متقدم فى زمان لحقه وتعين له وسواء كان هذا حقا أو كذبا؛ فإن العبرة لدلالة اللفظ من حيث هى دلالة لفظ لا من حيث هى صدق أو كذب. وكذلك أمس هو نفسه زمان ما وكذلك ما يجرى مجراه . وإذا شئت أن تعلم أن التجريد إنما يقصد به أن يدل على معنى ولا تقترن به الدلالة على الزمان الملحق به فتأمل حد الكلمة.
الفصل الثالث (ج) فصل في الكلمة
وأما الكلمة فإنها تدل مع ما تدل عليه على زمان، وليس واحد من أجزائها يدل على انفراده وهو أبدا دليل على ما يقال على غيره. فتكون الكلمة لفظة دالة بتواطؤ يدل مع ما تدل عليه على زمان وسائر ما قيل. فتأمل أن الكلمة جعلت دلالتها على شىء وعلى زمان مقترن به معه ليس هو هو ولا جزء منه. وإذ كان مالا يدل بالتجريد هكذا صورته، فما يدل بالتجريد صورته ماذكرناه. وفسر هذا فى التعليم الأول، فقيل: إن معنى هذا هو أن قولنا صح يفارق قولنا صحة، بأن الصحة تدل على معنى ولا تدل على زمان مقترن به، وأما صح فيدل على صحة موجودة فى زمان. والكلمة هى ما يسميها أصحاب النظر فى لغة العرب فعلا، وقد كانت الكلمة فى الوضع الأول عند اليونانيين إنما تدل من الزمان على الزمان الحاضر، ثم إذا أريد أن يدل بهذا على الزمان الماضى أو المستقبل قرن بها زيادة مع حفظ الأصل. وأما العرب فلم تجر لهم العادة بإفراد كلمة للحاضر، فإن شكل الكلمة التى للمستقبل هو بعينه شكل الكلمة التى للحاضر، فيقال: إن زيدا يمشى أى فى الحال ويمشى أى فى الاستقبال، فإذا حاولوا زيادة البيان قالوا: إن زيدا هو ذا يمشى فاقتضى الحال، أو قالوا سيمشى أو سوف يمشى فاقتضى الاستقبال، ويكون ذلك بإلحاق يلحق به.
وربما استعاروا له من الماضى فقالوا: إن زيدا صح كما يكون قد أتاه البرء، ويقال: صح أيضا لما هو فيما سلف لكن موضوع صح للماضى وموضوع يمشى للاستقبال. وليس للحال شكل خاص، وأما أنه ماش وأنه صحيح فليس كلمة، بل اسما مشتقا. فها هنا اسم موضوع واسم مشتق وكلمة، فالاسم الموضوع يدل على ما قيل ولا يدل على موضوع ألبتة، وأما الاسم المشتق فيدل على موضوع غير معين وجد له أمر مشتق له منه الاسم، فيكون دالا على معنى وأمر وعلى موضوع له غير معين وعلى نسبة بينهما.
Shafi 157