135

فلنقسم الآن على الوجه الذى ينبغى أن يفهم عليه الاصطلاح الذى فى قاطيغورياس، وهو غير المصطلح عليه فى العلوم ، ومن تجثم أن يجمع بين الأمرين فقد عنى نفسه. أما القسمة التى فى قاطيغورياس فتخرج على هذا الوجه: المتقابل إما أن تكون ماهيته مقولة بالقياس إلى ما هو مقابل له، وإما أن لا تكون. فإن كانت ماهيته مقولة بالقياس إلى غيره، فهو تقابل المضاف كالأبوة والبنوة. أما أنه تقابل فلأن الأبوة والبنوة وما يجرى مجراهما، تشترك لا محالة فى موضوع، إما عامى كالإنسانية بل والجوهرية بل كالموجود أو غير ذلك، وإما خاص كهذا الإنسان يكون يمينا لزيد ثم يصير شمالا له. وأما أنه مع التقابل، مقول الماهية بالقياس، فأمر لا شك فيه. وأما الذى ليست ماهيته مقولة بالقياس إلى غيره، فإما أن يكون الموضوع صالحا للانتقال من أحد الطرفين بعينه إلى الآخر من غير انعكاس، وإما أن لايكون كذلك، بل يكون صالح الانتقال من كل واحد منهما إلى الآخر، أو ولا عن أحدهما إلى الآخر لأن الواحد لازم له؛ فيسمى القسم الأول تقابل العدم والقنية، ونعنى بالقنية، لامثل الإبصار بالفعل، ولا مثل القوة الأولى التى تقوى على أن يكون لها بصر، بل القنية أن تكون القوة على الإبصار، متى شاء صاحبها، موجودة، فإن فقد القوة الأولى ليس بعمى، ولا فقد الإبصار بالفعل، بل الإبصار بالفعل، وإن لا يبصر بالفعل لكن بالقوة، هما أمران يتعاقبان على الموضوع تعاقب الحركة والسكون؛ إنما ذلك هو فقد ما سميناه قنية، فحينئذ، لا يمكن أن يبصر البتة، بل عمى لا يعود الموضوع معه إلى الإبصار مرة أخرى. فالعدم الذى ههنا، ليس هو العدم الذى يقابل أى معنى وجودى شئت، بل الذى يقابل القنية؛ فإن العدم يقال على وجوه، ولسنا نريد الآن أن نحصى جميعها، بل ما يعنينا فى هذا الموضوع، فنقول: إنه يقال للشىء عدم كذا، ويشار إلى حال ما للمادة فى كونها خالية من الشىء الذى يخليها، والشىء الذى له معنى وجودى سواء كان قارنها ما خالف ذلك الشىء الوجودى، أو لم يكن، مثل عدم السواد فيما من شأنه أن يسود، سواء كان هناك بياض خالف السواد فى موضوعه أو لا يكون، بل يكون إشفاف مثلا فقط ولا لون ألبتة. فإنه إذا كان هناك بياض، فليس البياض وعدم السواد فى ذلك المحل شيئا واحدا، ولو كانا أيضا متلازمين، بل البياض معنى قائم بإزاء السواد؛ فهذا وجه من وجوه اعتبار العدم ومقابله.والآخر، العدم الذى يعتبر بشرط أن يزول المعنى الوجودى ولا يخلفه شىء، كالسكون. فإن الذى ينزل، إنما يقال له فى وقت آخر إنه ساكن عادم الحركة، لا إذا كان ليس ينزل، فقط إنما هو يصعد، ولكن عند ما لا يكون فيه حركة مكانية ألبتة، فهذا العدم بالحقيقة مقابل للجنس، الذى هو ههنا الحركة المكانية مطلقة. وقد يقال عدم، بشرط فقدان الشىء الذى من شأنه أن يكون لفاقده من الموضوعات، وفى الوقت الذى من شأنه أن يكون له، حتى لا يقال إن فى النطفة عدم الإنسانية بهذه السبيل، ولا فى الصبى عدم الإيلاد إذ ليس وقته.

ومن العدم ما يقال قبل الوقت، كالمرد، فإنه لا يقال لمن عدم اللحية فى وقت الإنبات بسبب داء الثعلب إنه أمرد. ومنه ما يقال بعد الوقت، كالصلع، يكون بعد وقت الوقور، والنعم، ومنه ما هو بالقياس إلى الجنس، لا إلى النوع، مثل العجمة بإزاء الناطق؛ أو إلى النوع، لا إلى الشخص، مثل حال المرأة إلى الرجل؛ ومنه ما هو بالشخص على الأقسام المذكورة. وهذه كلها لا يلتفت إليها فى هذا الكتاب. إنما العدم المقصود فيه، هو العدم الذى هو فقدان القنية فى وقتها، أى فقدان القوة التى بها يمكن الفعل إذ صار الموضوع عادما للقوة، فلا يصلح بعد ذلك أن يزول العدم، كالعمى؛ وأما القنية فستزول إلى العدم. فهذا هو التقابل العدمى المذكور فى قاطيغورياس.

Shafi 139