ثم نقل إلى أشياء أخرى فجعل الفائق والفاضل والسابق أيضا ولو في غير الفضل متقدما، فجعل نفس المعنى كالمبدأ المحدود. فما كان له منه ما ليس للآخر، وأما الاخر فليس له إلا ما لذلك الأول فإنه جعل متقدما. فإن السابق في باب ما له ما ليس للثاني، وما للثاني منه فهو للسابق وزيادة. ومن هذا القبيل ما جعلوا المخدوم والرئيس قبل، فإن الإختيار يقع للرئيس وليس للمرؤوس، وإنما يقع للمرؤوس حين وقع للرئيس فيتحرك باختيار الرئيس. ثم نقلوا ذلك إلى ما يكون هذا الاعتبار له بالقياس إلى الوجود، فجعلوا الشيء الذي يكون له الوجود أولا وإن لم يكن للثاني والثاني لا يكون له إلا وقد كان للأول وجودا متقدما على الآخر مثل: الواحد، فإنه ليس من شرط الوجود للواحد أن تكون الكثرة موجودة، ومن شرط الوجود للكثرة أن يكون الواحد موجودا. وليس في هذا أن الواحد يفيد الوجود للكثرة أو لا يفيد، بل إنه يحتاج إليه حتى يفاد للكثرة وجود بالتركيب منه. ثم نقل بعد ذلك إلى حصول الوجود من جهة أخرى، فإنه إذا كان شيئان وليس وجود أحدهما من الآخر، بل وجوده له من نفسه أو من شيء ثالث، لكن وجود الثاني من هذا الأول، فله من الأول وجوب الوجود الذي ليس له لذاته من ذاته، بل له من ذاته الإمكان على تجويز من أن يكون ذلك الأول مهما وجد لزم وجوده أن يكون علة لوجوب وجود هذا الثاني، فإن الأول يكون متقدما بالوجود لهذا الثاني. ولذلك لا يستنكر العقل البتة أن نقول: لما حرك زيد يده تحرك المفتاح، أو نقول: حرك زيد يده ثم تحرك المفتاح. ويستنكر أن نقول: لما تحرك المفتاح حرك زيد يده، وإن كان يقول: لما تحرك المفتاح علمنا أنه قد حرك زيد يده. فالعقل مع وجود الحركتين معا في الزمان يفرض لأحدهما تقدما والآخر تأخرا إذ كانت الحركة الأولى ليس سبب وجودها الحركة الثانية، والحركة الثانية سبب وجودها الحركة الأولى. ولا يبعد أن يكون الشيء مهما وجد وجب ضرورة أن يكون علة لشيء. وبالحقيقة فإن الشيء لا يجوز أن يكون بحيث يصح أن يكون علة للشيء إلا ويكون معه الشيء. فإن كان من شرط كونه علة نفس ذاته، فما دام ذاته موجودا يكون علة وسببا لوجود الثاني؛ وإن لم يكن شرط كونه علة نفس ذاته، فذاته بذاته ممكن أن يكون عنه الشيء وممكن أن لا يكون وليس أحد الطرفين أولى من الآخر. وكذلك المتكون هو كذلك ممكن أن يكون وممكن أن لا يكون. فلا من حيث هو ممكن أن يكون هو بموجود، ولا من حيث ذلك ممكن أن يكونه، فذلك معط للوجود. وذلك لأن كون الشيء عن الممكن أن يكونه ليس لذات أنه ممكن أن يكونه، فنفس كونه ممكنا ليس كافيا في أن يكون الشيء عنه. فإن كان
Shafi 82