وليس ولا واحد منهما مفارقا للمادة، ولكن المقدار بالمعنى الأول وإن كان لا يفارق المادة فإنه أيضا مبدأ لوجود الأجسام الطبيعية. فإذا كان مبدأ لوجودها لم يجز أن يكون متعلق القوام بها، بمعنى أنه يستفيد القوام من المحسوسات، بل المحسوسات تستفيد منه القوام. فهو إذا أيضا متقدم بالذات على المحسوسات. وليس الشكل كذلك، فإن الشكل عارض لازم للمادة بعد تجوهرها جسما متناهيا موجودا وحملها سطحا متناهيا. فإن الحدود تجب للمقدار من جهة استكمال المادة به وتلزمه من بعد. فإذا كان كذلك لم يكن الشكل موجودا إلا في المادة ولا علة أولية لخروج المادة إلى الفعل. وأما المقدار بالمعنى الآخر فإن فيه نظرا من جهة وجوده، ونظرا من جهة عوارضه. فأما النظر في أن وجود أي أنحاء الوجود هو، ومن أي أقسام الموجود، فليس هو بحثا أيضا عن معنى متعلق بالمادة. فأما موضوع المنطق من جهة ذاته فظاهر أنه خارج عن المحسوسات. فبين أن هذه كلها تقع في العلم الذي يتعاطى ما لا يتعلق قوامه بالمحسوسات، ولا يجوز أن يوضع لها موضوع مشترك تكون هي كلها حالاته وعوارضه إلا الموجود. فإن بعضها جواهر، وبعضها كميات، وبعضها مقولات أخرى؛ وليس يمكن أن يعمهما معنى محقق إلا حقيقة معنى الوجود. وكذلك قد يوجد أيضا أمور يجب أن تتحدد وتتحقق في النفس، وهي مشتركة في العلوم. وليس ولا واحد من العلوم يتولى الكلام فيها مثل الواحد بما هو واحد، والكثير بما هو كثير، والموافق والمخالف، والضد وغير ذلك، فبعضها يستعملها استعمالا فقط، وبعضها إنما يأخذ حدودها، ولا يتكلم في نحو وجودها. وليست عوارض خاصة لشيء من موضوعات هذه العلوم الجزئية. وليست من الأمور التي يكون وجودها إلا وجود الصفات للذوات ولا أيضا هي من الصفات التي تكون لكل شيء. فيكون كل واحد منها مشتركا لكل شيء ولا يجوز ان يختص أيضا بمقولة ولا يمكن أن يكون من عوارض شيء إلا الموجود بما هو موجود. فظاهر لك من هذه الجملة أن الموجود بما هو موجود أمر مشترك لجميع هذه، وأنه يجب أن يجعل الموضوع لهذه الصناعة لما قلنا. ولأنه غني عن تعليم ماهيته وعن إثباته، حتى يحتاج إلى أن يتكفل علم غير هذا العلن بإيضاح الحال فيه لإستحالة أن يكون إثبات الموضوع وتحقيق ماهيته في العلم الذي هو موضوعه بل تسليم إنيته وماهيته فقط. فالموضوع الأول لهذا العلم هو الموجود بما هو موجود؛ ومطالبه الأمور التي تلحقه بما هو موجود من غير شرط. وبعض هذه الأمور هي له كالأنواع: كالجوهر والكم والكيف؛ فإنه ليس يحتاج الموجود في أن ينقسم
Shafi 6