وأيضا فلقائل أن يقول: إنه ليس موضوع الواحد والكثير واحدا، فإن شرط المتضادين أن يكون للاثنين منهما بالعدد موضوع واحد، وليس لوحدة بعينها وكثرة بعينها موضوع واحد بالعدد، بل في موضوع واحد بالنوع. وكيف يكون موضوع الوحدة والكثرة واحد بالعدد؟ ثم لا يخفى عليك أن تعلم مما سلف لك حقيقة هذا وما فيه وعليه وله، فقد ظهر وبان أن التقابل الذي بين الواحد والكثير ليس بتقابل التضاد. فلننظر هل التقابل بينهما تقابل الصورة والعدم؟ فنقول: أنه يلزم أول ذلك أن يكون العدم منهما عدم شيء من شأنه أن يكون للموضوع أو لنوعه أو لجنسه، على ما قد مضى لك من أمر العدم. ولك أن تتمحل وجها تجعل به الوحدة عدم الكثرة فيما من شأنه بنوعه أن يتكثر، وأن تتمحل وجها آخر تجعل به الكثر عدم للوحدة في أشياء في طبيعتها أن تتوحد. لكن الحق لا يجوز أن يكون شيئان كل واحد منهما عدم وملكة بالقياس إلى الآخر، بل الملكة منهما هو المعقول بنفسه الثابت بذاته، وأما العدم فهو أن لا يكون ذلك الشيء الذي هو المعقول بنفسه الثابت بذاته فيما من شأنه أن يكون، فيكون إنما يعقل ويحد بالملكة. وأما القدماء فقوم جعلوا هذا التقابل من العدم والملكة، وجعلوها هي المضادة الأولى، ورتبوا تحت الملكة والصورة: الخير والفرد والواحد والنهاية و اليمين والنور والساكن والمستقيم والمربع والعلم والذكر؛ وفي حيز العدم مقابلات هذه كالشر والزوج والكثرة واللانهاية واليسار والظلمة والمتحرك والمنحني والمستطيل والظن والأنثى. وأما نحن فقد يصعب علينا أن نجعل الملكة هي الوحدة ونجعل الكثرة هي العدم. أما أولا، فإنا هو ذا نحد الوحدة بعدم الإنقسام أو عدم الجزء بالفعل، ونأخذ الإنقسام والتجزئة في حد الكثرة، وقد ذكرنا ما في هذا. وأما ثانيا، فإن الوحدة موجودة في الكثرة مقومة لها، وكيف تكون ماهية الملكة موجودة في العدم حتى يكون العدم يتألف من ملكات تجتمع؟ وكذلك إن كانت الملكة هي الكثرة فكيف يكون تركيب الملكة من أعدامها؟ فليس يجوز أن تجعل المقابلة بينهما مقابلة العدم والملكة. وإذ لا يجوز هذا فليس يجوز أن يقال: إن المقابلة بينهما هي مقابلة التناقض، لأن ما كان من ذلك في الألفاظ فهو خارج عن موافقة هذا الإعتبار، وما كان منه في الأمور العامة فهو من جنس تقابل العدم والملكة، بل هو جنس هذا التقابل. فإن بإزاء الموجبة الثبوت، وبإزاء السالبة العدم، ويعرض في ذلك من المحال ما يعرض فيما قلنا. فلننظر أنه: هل التقابل بينهما تقابل المضاف؟ فنقول: ليس يمكن أن يقال: إن بين الوحدة والكثرة في ذاتيهما تقابل المضاف، وذلك لأن الكثرة ليس
Shafi 64