عنيت ما يقال: إن الإنسان حيوان وناطق، أي حيوان ذلك الحيوان الذي هو ناطق. تكون كأنك قلت: إن العشرة تسعة، تلك التسعة التي هي واحد، وهذا أيضا مستحيل. وإن عنيت أن العشرة تسعة مع واحد، وكان مرادك أن العشرة هي التسعة التي تكون مع واحد، حتى إن كانت التسعة وحدها لم تكن عشرة، فإذا كانت مع الواحد كانت تلك التسعة عشرة، فقد أخطأت أيضا. فإن التسعة إذا كانت وحدها أو مع أي شيء كان معها فإنها تكون تسعة ولا تكون عشرة البتة. فإن لم تجعل "مع" صفة للتسعة، بل الموصوف لها، فتكون كأنك قلت: إن العشرة تسعة، ومع كونها تسعة هي أيضا واحد، فذلك أيضا خطأ، بل هذا كله مجاز من اللفظ مغلط، بل العشرة مجموع التسعة والواحد إذا أخذا جميعا فصار منهما شيء غيرهما. وحد كل واحد من الأعداد - إن أردت التحقيق - هو أن يقال: إنه عدد من اجتماع واحد وواحد وواحد، وتذكر الآحاد كلها. وذلك لأنه لا يخلو إما أن يحد بالعدد من غير أن يشار إلى تركيبه مما ركب منه، بل بخاصية من خواصه، فذلك يكون رسم ذلك العدد لا وحده من جوهره، وإما أن يشار إلى تركيبه مما ركب منه. فإن أشير إلى تركيبه من عددين دون الآخر مثلا أن تجعل العشرةمن تركيب خمسة وخمسة لم يكن ذلك أولى من تركيب ستة مع أربعة، وليس تعلق هويته بأحدهما أولى من الآخر. وهو بما هو عشرة ماهية واحدة، ومحال أن تكون ماهية واحدة، وما يدل على ماهية من حيث هي واحدة حدود مختلفة. فإذا كان كذلك فحده ليس بهذا ولا بذاك، بل بما قلنا. ويكون - إذا كان ذلك كذلك - وقد كان له التركيب من خمسة وخمسة، ومن ستة وأربعة، ومن ثلاثة وسبعة، لازما لذلك وتابعا، فتكون هذه رسوما له.على أن تحديدك بالخمسة يحوج إلى تحديد الخمسة فينحل ذلك كله إلى الآحاد وحينئذ يكون مفهوم قولك: إن العشرة من خمسة وخمسة، هو مفهوم قولك: من ثلاثة وسبعة، وثمانية واثنين، أعني إذا كنت تلحظ تلك الآحاد. فأما إذا لحظت صورة الخمسة والخمسة، والثلاثة والسبعة، كان كل اعتبار غير الآخر. وليس للذات الواحدة حقائق مختلفة المفهومات، بل إنما تتكثر لوازمها وعوارضها، ولهذا ما قال الفيلسوف المقدم: لا تحسبن أن الستة ثلاثة وثلاثة، بل هو ستة مرة واحدة. ولكن اعتبار العدد من حيث آحاده مما يصعب على التخيل وعلى العبارة فيصار إلى الرسوم. ومن الواجب، ومما يجب أن يبحث عنه من حال العدد حال الاثنوة. فقد قال بعضهم: إن الاثنوة ليست من العدد، وذلك لأن الاثنوة هي الزوج الأول، والوحدة هي الفرد الأول، وكما أن الوحدة التي هي الفرد الأول ليس بعدد، فكذلك الاثنوة التي هي الزوج الأول ليس بعدد. وقال: ولأن العدد كثرة مركبة من
Shafi 61