فإذا قالوا: إن الوحدة هي الشيء الذي ليس فيه كثرة دلوا على ان المراد بهذه اللفظة الشيء المعقول عندنا بديهيا الذي يقابل هذا الآخر أو ليس هو فينبه عليه بسلب هذا عنه. والعجب ممن يحد العدد فيقول: إن العدد كثرة مؤلفة من وحدات أو من آحاد، والكثرة نفس العدد، ليس كالجنس للعدد، وحقيقة الكثرة أنها مؤلفة من وحدات. فقولهم: إن الكثرة مؤلفة من وحدات، كقولهم: إن الكثرة كثرة. فإن الكثرة ليست إلا إسما للمؤلف من الوحدات. فإن قال قائل: إن الكثرة قد تؤلف من أشياء غير الوحدات مثل الناس، والدواب . فنقول: إنه كما أن هذه الأشياء ليست وحدات، بل أشياء موضوعة للوحدات، كذلك أيضا ليست هي بكثرة، بل أشياء موضوعة للكثرة، وكما أن تلك الأشياء هي وحدات لا وحدات، فكذلك هي كثيرة لا كثرة. والذين يحسبون أنهم إذا قالوا: إن العدد كمية منفصلة ذات ترتيب، فقد تخلصوا من هذا، فما تخلصوا. فإن الكمية يحوج تصورها للنفس إلى أن تعرف بالجزء والقسمة أو المساواة. أما الجزء والقسمة فإنما يمكن تصورها بالكمية، وأما المساواة فإن الكمية أعرف منها عند العقل الصريح لأن المساواة من الأعراض الخاصة بالكمية التي يجب أن توجد في حدها الكمية. فيقال: إن المساواة هي اتحاد في الكمية والترتيب الذي أخذ في حد العدد أيضا، وهو مما لا يفهم إلا بعد فهم العدد. فيجب أن يعلم أن هذه كلها تنبيهات مثل التنبيهات بالأمثلة والأسماء المترادفة، وأن هذه المعاني متصورة كلها أو بعضها لذواتها، وإنما يدل عليها بهذه الأشياء لينبه عليها وتميز فقط. فنقول الآن: إن الوحدة إما أن تقال على الأعراض، وإما أن تقال على الجواهر. فإذا قيلت على الأعراض فلا تكون جوهرا، ولا شك في ذلك، وإذا قيلت على الجواهر فليست تقال عليها كفصل ولا جنس البتة، إذ لا دخول لها في تحقيق ماهية جوهر من الجواهر، بل هو أمر لازم للجوهر، كما قد علمت. فلا يكون إذن قولها عليها قول الجنس والفصل، بل قول "عرضي". فيكون الواحد جوهرا، والوحدة هي المعنى الذي هو العرض، فإن العرض الذي هو أحد الخمسة - وإن كان كونه عرضا بذلك المعنى - قد يجوز عليه أن يكون جوهرا، وإنما يجوز ذلك إذا أخذ مركبا، كالأبيض. وأما طبيعة المعنى البسيط منه فهي لا محالة عرض بالمعنى الآخر، إذ هو موجود في الجوهر وليس كجزء منه ولا يصح قوامه مفارقا له. فلننظر الآن في الوحدة الموجودة في كل جوهر التي ليست بجزء منه مقومة له، هل يصح قوامها مفارقة للجوهر؟
Shafi 53