هو موجب. فتكون المادة ذات أمرين: بأحدهما تستعد، وبالآخر يوجد عنها شيء. فيكون المستعد منهما هو جوهر المادة، وذلك الآخر أمرا زائدا على كونه مادة تقارنه وتوجب فيه أثرا كالطبيعة للحركة في المادة، فيكون ذلك الشيء هو الصورة الأولى، ويعود الكلام جذعا. فإذن الصورة أقدم من الهيولي، ولا يجوز أن يقال إن الصورة بنفسها موجودة بالقوة دائما، وإنما تصير بالفعل بالمادة، لأن جوهر الصورة هو الفعل. وأما طبيعة ما بالقوة فإن محلها المادة، فتكون المادة هي التي يصلح فيها أن يقال لها أنها في نفسها بالقوة تكون موجودة، وأنها بالفعل بالصورة، والصورة وإن كانت لا تفارق الهيولي فليست تتقوم بالهيولي، بل بالعلة المفيدة إياها الهيولي وكيف تتقوم الصورة بالهيولي وقد بينا أنها علتها؟ والعلة لا تتقوم بالمعلول، ولا شيئان اثنان يتقوم أحدهما بالآخر بأن كل واحد منهما يفيد الآخر وجوده. فقد بان استحالة هذا، وتبين لك الفرق بين الذي يتقوم به الشيء وبين الذي لا يفارقه. فالصورة لا توجد إلا في الهيولي، لا أن علة وجودها الهيولي، أو كونها في الهيولي. كما أن العلة لا توجد إلا مع المعلول، لا أن وجود العلة هو المعلول أو كونه مع المعلول؛ كما أن العلة إذا كانت علة بالفعل لزم عنها المعلول وأن تكون معها، كذلك الصورة إذا كانت صورة موجودة يلزم عنها أن تقوم شيئا؛ ذلك الشيء مقارن لذاتها. فكأن ما يقوم شيئا بالفعل، ويفيده الوجود، منه ما يفيده وهو مباين، ومنه ما يفيده وهو ملاق وإن لم يكن جزء منه مثل الجوهر للأعراض التي يلحقها أو يلزمها، والمزاجات. وبين بهذا أن كل صورة توجد في مادة مجسمة، فبعلة ما توجد؛ أما الحادثة فذلك ظاهر فيها، وأما الملازمة للمادة فلأن الهيولي الجسمانية إنما خصصت بها لعلة. وسنبين هذا أظهر في مواضع أخرى.
Shafi 46