متناهيا، أو غير متناه، فإن كان غير متناه، وذلك يلحقه لأنه مجرد طبيعة، كان حينئذ كل بعد غير متناه، وإن لحقه لأنه مجرد عن المادة كانت المادة مفيدة للحصر والصورة، وكلا الوجهين محال؛ بل وجود بعد غير متناه محال، وإن كان متناهيا فانحصاره في حد محدود وشكل مقدر ليس إلا لإنفعال عرض له من خارج، لا لنفس طبيعته، ولن تنفعل الصورة إلا لمادتها، فتكون مفارقة وغير مفارقة، وهذه محال فيجب أن تكون متوسطة. وأما الآخرون فإنهم جعلوا مبادئ الأمور الطبيعية أمورا تعليمية؛ وجعلوها المعقولات بالحقيقة، وجعلوها المفارقات بالحقيقة، وذكروا أنهم إذا جردوا الأحوال الجسمانية عن المادة لم يبق إلا أقطار وأشكال وأعداد؛ وذلك لأن المقولات التسع فإن الكيفيات الإنفعالية والإنفعالات منها والملكات والقوة واللا قوة أمور تكون لذوات الإنفعالات والملكات والقوى، وأما الإضافة فما يتعلق بأمثال هذه فهي أيضا مادية؛ فيبقى الأين وهو كمي، ومتى وهو كمي، وأما الفعل والانفعال فهو مادي، فيحصل من هذا أن جميع ما ليس بكمي فهو متعلق بالمادة، والمتعلق بالمادة مبدؤه ما ليس متعلقا بالمادة، فتكون التعليميات هي المبادئ، وتكون هي المعقولات بالحقيقة، وسائر ذلك غير معقول؛ ولذلك فليس واحد يحد اللون والطعم وغير ذلك حدا يعبأ به، إنما هو نسبة إلى قوة مدركة فلا يعقلها عندهم العقل إنما يتخيلها الخيال تبعا للحس. قالوا واما الأعداد والمقادير وأحوالها فهي معقولة لذاتها، فهي إذن مفارقة. وقوم جعلوها مبادئ ولم يجعلوها مفارقة، وهم أصحاب فيثاغورث، وركبوا كل شي من الوحدة والثنائية، وجعلوا الوحدة في حيز الخير والحصر، وجعلوا الثنائية في حيز الشر وغير الحصر. وقوم جعلوا المبادئ الزائد والناقص والمساوي، وجعلوا المساوي مكان الهيولي؛ إذ عنه الاستحالة إلى الطرفين. وقوم جعلوه مكان الصورة؛ لأنها المحصورة المحدودة ولا حد للزائد والناقص. ثم تشعبوا في أمر تركيب الكل من التعليميات، فجعل بعضهم العدد مبدأ للمقدار، فركب الخط من وحدتين، والسطح من أربع وحدات. وبعضهم جعل لكل واحد منهما حيزا على حدة، وأكثرهم على أن العدد هو المبدأ، والوحدة هي المبدأ الأول، وأن الوحدة ولهوية متلازمتان أو مترادفتان، وقد رتبوا العدد وإنشاؤه من الوحدة على وجوه ثلاثة: أحدها على وجه العدد العددي.
Shafi 160