ومن شأن الأنهار أن تستقى من عيون، ومن مياه السماء. ومعولها القريب إنما هو على العيون. فإن مياه السماء أكثر جدواها فى فصل بعينه دون فصل. ثم لا العيون ولا مياه السماء يجب أن تتشابه أحوالها فى بقاع واحدة بأعيانها تشابها مستمرا. فإن كثيرا من العيون يغور وينضب ماؤها. وكثيرا ما تقحط السماء فلا بد من أن تجف أودية وأنهار، وربما طمت الأنهار، بما يسيل من أجزاء الأرض، جوانب من النجاد. وأنت ترى آثار ذلك فى كثير من المسالك، وفى أودية الجبال والمغاوز، وتتيقن أنها كانت وقتا من الزمان غايرة المياه، وقد انقطع الآن مواردها.
وإذا كان كذلك فستنسجم مواد أودية وأنهار، ويعرض للجهة التى تليها من البحار التى تنضب، وستستجد عيون وأودية وأنهار من جهات أخرى، فتقوم بدل ما نضب. ويفيض الماء فى تلك الجهة على البر. فإذا مضت الأحقاب، بل الأدوار، يكون البحر قد انتقل عن حيز إلى حيز، وليس يبعد أن يحدث الإتفاق أو الصناعة خلجان، إذا طرقت فى سد بين البحر وبين غور نتوءا، وهدمته، أو بين أنهار كبار وبين مثله.
وقد يعرف من أمر النجف الذى بالكوفة أنه بحر ناضب، وقد قيل إن أرض مصر هذه سبيلها، ويوجد فيها رميم حيوان البحر.وقد حدثت عن بحيرة خوارزم أنها حالت من المركز الذى عهدها به مشايخ الناحية المسنون حوولها، إلا أن أعمارنا لا تفى بضبط أمثال ذلك فى البحار الكبار، ولا التواريخ التى يمكن ضبطها، تفى بالدلالة على الانتقالات العظيمة فيها. وربما هلكت أمم من سكان ناحية دفعة بطوفان أو وباء، أو انتقلو دفعة، فتنوسى ما يحدث بها بعدهم.
Shafi 209