وقد علمنا أن انتقال الأعراض مما لا يقول به المحصلون.
وقوم آخرون أبوا أن يكون لهذا المعنى حقيقة إلا فيما يكون الجسم الواقع فيه هذا الشأن إنما يسخنه جسم لطيف حار هو سار فيه، أو يبرده جسم لطيف بارد هو سار فيه. فإن كان ذلك الجسم بخارا، فاستولى البرد على ظاهره، احتقن البخار فى داخل الجسم المستولى على ظاهره، ولم يتحلل، فازداد سخونة، أو كان المستولى حرا فجفف الظاهر، فكثفه، فإن ذلك الجسم اللطيف لا يتحلل؛ بل يبقى داخلا محتقنا، ويزداد لا محالة قوة؛ اذ لولا الاحتقان لكان يتحلل.
وأكثر هؤلاء لم يصدقوا أمر القنى والآبار؛ بل ذكروا أن ذلك غلط من الحس كما يعرض لداخل الحمام. فإنه أول ما يدخل عن هواء بارد شتوى يتسخن ما يفيض على رأسه من ماء فاتر، ثم إذا استحم بالحمام الداخل استبرد ذلك الماء بعينه، وذلك لأنه أول ما دخل كان بارد البشرة، وكان الماء بالقياس إليه حارا، ثم لما أقام فى الحمام الداخل سخنت بشرته بالتدريج، حتى صارت أسخن من ذلك الماء. فلما أعاد ذلك الماء على بشرته كان باردا بالقياس إليها. وأما الانتقال المتدرج فيه فلا يحس به، كما يحس عن المغافص دفعة ذلك الذى يسميه الأطباء سوء المزاج المختلف.
قالوا: وكذلك حال الأبدان فى الشتاء، فإنها تكون أبرد من مياه القناة، وفى الصيف أسخن من تلك المياه، والمياه فى الفصلين على حال متقاربة، لكن الحس يغلط فيها الغلط المشار إليه.
Shafi 212