Waƙa da Tunani
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
Nau'ikan
إن كل تجربة جزئية هي تجربة محدودة تتم على أساس الصلاحية أو الصدق الشامل للعالم، إنها تجربة تخصص أو تعزل وتبرز من هذا العالم نفسه. بهذا يظهر كل جديد، وكل تجربة جديدة بوصفهما نوعا من التخصيص. ويتخذ كل ما يجرب تجربة حية شكل التخصيص في إطار العالم المعطى (قارن الجزء الثالث من الفلسفة الأولى، ص620 وما بعدها). وهكذا يكون كل ما يعاش في التجربة شيئا جديدا، وخاصا في داخل الأفق الشامل للعالم، كما يكون بلوغ الشيء المجرب تحقيقا (وضعا في الحقيقة) يمكن أن نتابعه بصفة مستمرة على الأساس المتجانس للعالم الحق. واليقين الذي يتصف به تحقيق العالم (وضعه في الحقيقة) هو في الواقع يقين نسبي متعلق بيقين العالم وبتجربة حية. وهكذا يتوصل هسرل إلى هذا المفهوم الذي يبدو للوهلة الأولى متناقضا، ألا وهو مفهوم اليقين النسبي (راجع: الفلسفة الأولى، الجزء الثاني، ص406)، ويترتب على هذا أن اليقين النسبي هو الذي يميز المعطى عندما نحققه (أو نضعه في الحقيقة) بوصفه تخصيصا من العالم أو في العالم. (6)
الوجود «في» العالم فهم، إنه فهم الإنسان ذاته - «في» العالم - بكليته. ولهذا الفهم جانبان. فنحن حين نفهم أنفسنا في العالم ننشغل بكل ما هو ممكن، دون أن نعزله لنجعل منه موضوع بحثنا، ودون أن نخصصه على حدة. وإذن فلدينا جانبان من الفهم؛ أحدهما يتجه مباشرة إلى الموضوع، والآخر يفسره ويكشف عنه، وهما مرتبطان ارتباطا وثيقا. ومعنى هذا أننا لا نملك فحسب ذلك الفهم الشامل للعالم الذي نحيا فيه على علاقة مباشرة بالأشياء دون أن نعنى ببحثها، بل إن فهمنا يكون على الدوام فهما مصحوبا بالتفسير. هذا الفهم الذي يشرح ويفسر هو الذي أطلقنا عليه صفة التخصيص.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف نفسر شيئا معينا في أفقه؟ كيف نبحث شيئا ونجعله - بوصفه شيئا جزئيا - موضوعيا للوعي ؟ وكيف نعزله من ثنايا فهمنا للعالم ونخصصه؟ (7)
بهذا نصرف نظرنا عن الفهم المباشر للموضوع وعما فهمناه مباشرة، ونجعل منه - من حيث هو موضوع مخصص - موضوعا للوعي. وأهم شيء هنا هو أن ما نتأمله الآن، ونبتغي وصفه يصبح معطى مخصصا عن طريق تعبيرنا عنه تعبيرا ذهنيا أو صوتيا. ومن خلال العبارة نجعل من موضوع البحث مهادا،
3
وذلك على حد وصف هسرل له.
وإذا كنت سأتكلم الآن مثل هسرل عن المهاد والتحديد، فإني أؤكد أهمية ما أقوله؛ لأنه سيكون أساس تحليل مواز سأقدمه في القسم الثاني من المحاضرة.
إن الموضوع أو المهاد هو المفهوم الأول والأصلي للواقع الذي يمكننا أن نقول شيئا عنه، وأن نكشف تجربتنا له، ونعبر عنها. وعن طريق عبارتنا عنه يصبح الموضوع مهادا. وأي تجربة نقوم بها هي في الحقيقة تجربة بمهاد، أو هي بتعبير أوضح متعلقة بمهاد.
والموضوع الذي أدركه هو الموضوع الذي أكون عنه أو أصدر عليه عبارات، هو الذي أحكم عليه، وهو الذي أفسره في تجارب جزئية أو تجارب خاصة.
إن تفسير أي موضوع تفسيرا يعتمد على التجربة الحية أمر مرتبط بتحديد ماهيته وسماته وخصائصه. هذا التفسير يتضمن في كل الأحوال الفارق بين «ما يقال عنه أو يحكم به عليه»، وبين ما أحدده بصدده خلال التجارب الجزئية الخاصة، أي إنه يتضمن التفرقة بين المهاد والتحديد.
Shafi da ba'a sani ba