180

Waƙa da Tunani

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Nau'ikan

في الطفل المولود الذي يختبئ فيه المستقبل، وكل ما يحيط به من رهبة ورعشة وأمل وخوف، في جمال الصبي أو فتنة الفتاة التي تبعث فينا الحب النقي الخالص، في ابتسامة الأم الشابة التي تبتسم لوليدها، فيرتفع بها صفاء الابتسامة من المرأة المحدودة إلى الأصل الراسخ البعيد، إلى المرأة والأم والربة إيزيس والأرض الأم التي ولدت الابن السماوي. وتصبح الأم الصغيرة رمزا للميلاد الخارق الذي سجلت به الأسطورة، وشعائر الطقوس القديمة رؤيتها للمستقبل في مولد البطل الرب، أو الرب البطل. هكذا تحدث المستقبل منذ القدم للإنسان، هكذا كشف له عن وجهه الرهيب أو وجهه الحبيب.

في كل هذه الرموز والأحوال «يحضر» المستقبل، نقف منه موقف الحب والشوق كما وقفنا من الماضي وقفة الخشوع والإشفاق.

صحيح أن شوقنا إليه أو إشفاقنا منه لا يخلو من الحاجة أو المنفعة، والرغبة أو الرهبة، ولكن الشاعر الحق هو الذي يملك الرؤية الخالصة، ويتحدث إلى المستقبل حديثه لوجود لا محدود يحس دبيب خطواته، ويشعر بنبضه، وينفتح على وجوده، ويعين القلوب على الإحساس به. فالشاعر يسكن سكنا شعريا فوق الأرض، وهذا الشاعر الذي اقتبسنا بعض أبياته منذ قليل هو الذي يختم قصيدته إلى العروس بهذه الأبيات:

لا أيها الأحباب! لا! إني لا أحسدكم،

فالشعراء يعيشون دون أن يؤذوا أحدا

كما تعيش الزهرة على النور

وتطيب لهم الحياة على الصورة الجميلة

حالمين، سعداء، مساكين.

لكن هؤلاء الحالمين المساكين هم الذين يحيون في ماء النبع الأصلي. وهم الذين يعيشون تجربة الحضور، سواء أكان حضور الماضي الرهيب أم حضور المستقبل المحبوب. وليس هذا مقصورا عليهم أو على واحد منهم ذكرناه. فالإغريق كانوا يحتفون بالربة «خاريس»، ويعدونها ربة النعمة الماثلة في كل ما يزدهر ويوحي بالأمل.

عرفوا أنها هي الروح التي توقظ الغناء، لا بالماضي وخلوده - ومنه يتدفق كل شعر عظيم - بل بالحب والمعرفة بالمستقبل، بحضوره غير المحدود. وليس من قبيل الصدفة أن كان للعراف والعرافة في أدبهم كل هذا الشأن.

Shafi da ba'a sani ba