153

Sheikh Saad Al-Breik's Lessons

دروس الشيخ سعد البريك

Nau'ikan

الناس كإبل مائة إذا تأملتم قول النبي ﷺ فيما رواه الإمام البخاري ﵀ في صحيحه: عن عبد الله بن عمر ﵄ قال: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري هو من جوامع الكلم ومن جوامع الحكم التي خُصَّ بها نبينا ﷺ، وهذا واضح جلي. أنت تعد الكثيرين من الناس، ثم إذا أردت أن تخرج من بينهم واحدًا يُعْتَمَد عليه بعد الله في الشدائد، أو يُعَوَّل عليه بعد الله في الملمات أو يُدَّخَر عند الكربات لم تجد أحدًا، وما ذاك إلا أن الناس أعداد كالأصفار إلا النوادر منهم الذين هم كما قال ﷺ في الحديث: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة). كم عدد الشباب! وانظر من هم الصالحون من بينهم، كم عدد الشباب الذين يملئون الشوارع ذهابًا وإيابًا وغدوًا ورواحًا! ولكن من هو الذي يكون بركة على نفسه وبركة على أهله وعلى أسرته ومجتمعه؟! الكثير من شبابنا اليوم كما قال الأول: وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفعٌ وموتك فاجعُ الآن لو سمعنا صوت فرامل سيارة على الشارع فكلنا تنصرف رقبته باتجاه الشارع، وأسماعنا تنصت، وتبدأ الخيالات تتصور أهو حادث انقلاب سيارة، حالة تصادم، وهل سلموا، أو لم يسلموا، وافترض مثلًا أن رجلًا جاء إلينا وقال: يا ناس! يا شباب! يا من اجتمعتم في هذا المكان! يوجد شاب نزل من سيارته، أو فحط بسيارته، أو صارت عنده مشكلة وهو الآن في حالة نزيف ونريد منكم أن تنقذوه؛ هل سيتردد منكم أحد أن يتبرع بقطرات من دمه لإنقاذ حياة هذا الشاب؟ الجواب لا. كلنا بحكم إسلامه، بحكم أنه محسوب على الإسلام والمسلمين قد يكون اسمه: عبدالله أو عبد الرحمن أو عبد العزيز أو عبد الملك أو أي اسم من الأسماء، ولإسلامه خرجنا نسعفه نريد أن ننقذ حياته، ثم لما تبرع هذا الجمع بدمه لهذا الشاب الذي نزف بعد الحادث ودبت الحياة إلى جسمه من جديد، هنا نسأل هذا الشاب ونسأل أنفسنا: ماذا قدم هذا الشاب في طاعة الله ﷿؟ ماذا قدم لدين الله ﷾؟ ماذا قدم لنفسه في مرضاة الله؟ ماذا قدم لوالديه؟ ماذا قدم لأمته لمجتمعه لدعوته لعقيدته لدينه؟ الجواب كما قال الأول: وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفعٌ وموتك فاجعُ يوم أن صار عليه الحادث فُجِعنا وهرعنا وذهبنا نتبرع له من أجل إنقاذ حياته، ولما أنقذنا حياته ما وجدناه قد نفعنا بشيء، بل ربما لم يسلم الناس من شره، بل ربما عاد مصيبة وشؤمًا وشرًا وبلاءً على نفسه يوبقها ويهلكها بالذنوب والمعاصي، وعلى والديه بالعقوق وعلى رحمه بالقطيعة وعلى جيرانه بالإساءة وعلى دينه باللامبالاة وعلى المسلمين بعدم الاهتمام، وقس على ذلك صورًا وأمثالًا من اللامبالاة التي نجدها في شبابنا، ويعدون على أمة الإسلام، نحن حينما نقول: عدد المسلمين مليار ونصف مليار، أي: ألف مليون وخمسمائة مليون مسلم هل كل هؤلاء هم الذين تمتلئ بهم المساجد؟! هل كل هؤلاء هم الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا؟! هل كل هؤلاء يتحاكمون إلى شريعة الله عند الشجار والنزاع؟! هل كل هؤلاء هم البررة الأطهار الأخيار الأبرار هل هل إلخ؟! لا. القلة من هؤلاء بل لا تكاد توجِد من الألف واحدًا، وكما قال الشاعر أولًا: يا ألف مليار وأين هم إذا دعت الجراح هاتوا من المليار مليونًا صحاحًا من صحاح يعني: ينادي المسلمين. يا ألف مليار وأين هم إذا دعت الجراح هاتوا من المليار مليونًا صحاحًا من صحاح هل نجد من ألف مسلم مسلمًا واحدًا؟! هل نجد من ألف شاب شابًا واحدًا؟! هل نجد من آلاف المتسكعين والضائعين والمفسدين والفاسقين واللامبالين والعابثين والهازلين؛ هل نخرج واحدًا من أمة الإسلام نقول: هذا هو الجاد بين الهازلين! هذا هو العابد بين الضائعين! هذا هو المجاهد بين المستسلمين! هذا هو الصابر بين المتسخطين؟! ستجد حتى الواحد من الألف لا يكاد يوجد، وتجد من جوامع كَلِمِه ﷺ هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عمر: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة). إذًا نحن نبحث عن الشاب المسلم المبارك، أما ذلك المسلم الذي يُحسب ولا ينفع، يُعد ولا يشفع، إن أصيب قيل: أيها الناس! أعطوه، وإن جاع قيل: أيها الناس! أطعموه، وإن ظمئ قيل: أيها الناس! اسقوه، وإن عري قيل: أيها الناس! اكسوه، إلى غير ذلك، هؤلاء ماذا يقدمون؟! تجد الواحد منهم كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس:١٢]. إذا الواحد منهم في لحظة خطر ومرض وأنين ووجع وألم وسقم ويئن: آه آه من الأمراض يقول: يا ألله، وفي تلك اللحظات ربما يلتفت يتوضأ ليصلي، ربما يحاسب نفسه ويعد نفسه أن يستقيم؛ لكن: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ﴾ [يونس:١٢] لما رفع الله عنه البلاء وكشف عنه الداء وجرت العافية في دمه: ﴿مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس:١٢] ما كأن مصيبة أصابته، بل تجده يبارز ربه بألوان الذنوب والمعاصي، وتلك -وايم الله- من أعظم المصائب. أحبتنا! نحن نريد من هؤلاء الألف: الشاب المبارك الذي ينفع الله به كما قال عيسى ﵇، أو كما أخبر سبحانه في سورة مريم عن عيسى ﵇: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنتُ﴾ [مريم:٣١] نحن نريد ذاك الشاب المبارك أينما كان، المبارك في مسجده المبارك في مدرسته المبارك في تعليمه المبارك في حيه في أسرته في عمله في تجارته في ذهابه وإيابه، هذا هو الذي نريده، أما هذه الأعداد فماذا تقدم؟ أما أن نجد صورًا بلا حقائق فماذا تنفع الصور بلا حقائق؟!

9 / 3