وكما يقول الله في سورة براءة:
الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم * ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم .
وقد أنبأ الله بهذا رسوله كما ترى، وعلم النبي منه شيئا كثيرا، ولكن هؤلاء الأعراب قد عصموا من النبي دماءهم وأموالهم؛ لأنهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله، وكانوا يقيمون شعائر الإسلام ويؤدون ما فرض الله عليهم من الزكاة.
وقد ظهرت بوادر الردة أيام النبي
صلى الله عليه وسلم ؛ فتنبأ الكذابون: تنبأ الأسود العنسي في اليمن، وتنبأ مسيلمة في اليمامة، وتنبأ طليحة في بني أسد. وكان النبي يقاوم هؤلاء الكذابين بالرسل والكتب، ولم يكن شك في أنه كان سيقاومهم بالسيف، لو لم يختره الله لجواره.
فلما نهض أبو بكر بالأمر لم ير أمامه هؤلاء الكذابين فحسب، وإنما رأى سائر الأعراب قد أظهروا ما أنبأنا الله به من النفاق، وتربصهم الدوائر بالمسلمين، فلم تكد تبلغهم وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم
حتى عادت كثرتهم الكثيرة إلى الجاهلية، ولكنهم مع ذلك داوروا مداورة الجاهلين الغافلين، فأرسلوا وفودهم إلى أبي بكر يطلبون إليه أن يعفيهم من الزكاة، ويعلنون إليه أنهم سيؤدون سائر الفرائض، فيصلون ويصومون ويحجون، ويقولون دائما كلمة الإسلام، فيشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وأقول: إنهم داوروا جاهلين غافلين؛ لأنهم ظنوا أن أبا بكر سيقبل منهم ذلك، ولم يعرفوا أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وأن من منعها فليس من الإسلام في شيء. من أجل ذلك رفض أبو بكر ما عرضوا عليه، وأعلن أنه سيقاتلهم على الزكاة حتى يؤدوها، وأنهم إن منعوه عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله فسيقاتلهم عليه.
أعلن العرب إذن منعهم للزكاة، وأظهروا الكفر والنفاق، وصدقوا قول الله فيهم: إنهم أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله، وأن منهم من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بالمسلمين الدوائر.
Shafi da ba'a sani ba