وكان يختار لولاية الأمصار أولي القوة والكفاية، وإن كانوا من الذين أسلموا بأخرة، ويترك الأكابر من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ، فلما كلم في ذلك قال: أكره أن أدنسهم بالعمل.
وهو لم يقل هذا إلا إيثارا للرد الحسن، فأما حقيقة الأمر فهو أنه كان يخاف على أكابر أصحاب النبي من أن يفتتنوا أو يفتنوا الناس؛ ولذلك لم يولهم الأمصار، إذا استثنينا سعدا حين ولاه حرب الفرس، وأبا عبيدة حين ولاه حرب الشام.
وإنما كان يمنعهم أيضا من الخروج إلى الأمصار مخافة الفتنة عليهم والافتتان بهم، بل كان يمنع قريشا من الانتشار في الأرض مخافة أن تفتنهم الحياة الدنيا.
وقال يوما في بعض خطبه: ألا وإن قريشا يريدون أن يجعلوا مال الله دولة بينهم، أما وابن الخطاب حي فلا ، ألا وإني قائم لهم بحرة المدينة، فآخذ بحجزهم أن يتهافتوا في النار.
وكان بعض أكابر الصحابة يستأذنونه في الخروج للمشاركة في الجهاد، فيأبى عليهم ويقول لمن يستأذنه في ذلك: قد كان لك من الغزو مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ما يجزئك. وولى مرة عمار بن ياسر على الكوفة، فشكا أهل الكوفة منه، وكان أهل الكوفة كثيرا ما يشكون من ولاتهم حتى أتعبوا عمر، ولكنهم حين شكوا من عمار رحمه الله، قالوا: إنه لا يعرف ما يلي. فدعاه عمر وسأله عما يلي، فلم يحسن الجواب، فعزله، ثم سأله ذات يوم: أساءك حين عزلتك؟ قال عمار: أما إذ قلت ذلك، فقد ساءني حين وليتني وساءني حين عزلتني. فقال عمر - ما معناه: أردت أن أحقق قول الله عز وجل:
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .
ومن أجل ذكره لله وخوفه من عذابه ونصحه للمسلمين كان يراقب ولاته أشد المراقبة، ولا يكاد يبلغه شيء من أمرهم يثير في نفسه شكا إلا أرسل من فوره من يحقق ما بلغه ويصلحه، إن كان قد وقع، وربما دعاه ذلك إلى عزل الوالي.
Shafi da ba'a sani ba