Shaykh Omar bin Muhammad Falatah and How I Knew Him
الشيخ عمر بن محمد فلاته ﵀ وكيف عرفته
Mai Buga Littafi
دار ابن القيم،الدمام
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٢١هـ/٢٠٠٠م
Inda aka buga
المملكة العربية السعودية
Nau'ikan
الشيخ عمر بن محمد فلاته ﵀ وكيف عرفته
محاضرة ألقاها:
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
في الجامعة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، وخليلُه وخيرتُه من خَلْقِه، أرسلهُ اللهُ بين يدي السّاعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فدلَّ أمّتَهُ على كلِّ خير، وحذّرها من كلِّ شرّ، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلكَ سبيلَهُ واهتدى بهديه إلى يوم الدِّين.
1 / 1
أمّا بعدُ:
فإنّ الحديث معكم أيّها الإخوة في هذا اللّقاء١ عن الشّيخ عمر محمّد فلاته ﵀، ولو كان الحديثُ في بلد آخر غير المدينة في أناس لا يعرفون الشّيخ عمر ﵀ معرفةً تامّةً أمكن أن يكون فيما أقول لهم فائدة، أمّا والكلامُ عنه ﵀ في المدينة وفي أناسٍ يعرفونه فإنَّ الفائدة قد لا تكونُ كبيرةً جدًّا.
وكلامي عن الشّيخ عمر رحمه الله تعالى يتعلّق في أمور:
أوّلًا: اسمُه، وولادتُه، ونشأتُه.
ثانيًا: عقيدتُه، ودعوتُه، ومنهجُه.
ثالثًا: تدريسُه في المسجد النّبويّ.
رابعًا: إدارتُه لدار الحديث في المدينة.
_________
١ محاضرة ألقيت في قاعة المحاضرات في الجامعة الإسلامية في أوائل شهر المحرّم من عام ١٤٢٠ هـ.
1 / 2
خامسًا: أعمالُه الأخرى في غير الدّار، بالإضافة إلى إشرافه على الدّار.
سادسًا: عددُ حجّاته.
سابعًا: كيف عرفتُ الشّيخ عمر ومدى الصّلة التي بيني وبينه.
ثامنًا: صفاتُه والتّشابهُ بينه وبين شيخه وشيخي الشّيخ عبد الرّحمن الإفريقيّ رحمه الله تعالى.
تاسعًا: ذكر أمثلة من دُعابته وطرائفه رحمه الله تعالى.
عاشرًا: وفاتُه وعقبُه.
فأقول:
أوّلًا: اسمُه
هو رفيقي وصديقي وحبيبي الشّيخ عمر بن محمّد بكر الفُلاَّنِيُّ الشّهيرُ بفُلاَّتَه، هكذا أُثبت في نموذج الإجازة التي يمنحها، وأنا أعرف أنّه أحيانًا
1 / 3
يقول: الفُلاَّني، وأحيانًا يقول: فُلاَّته، والفُلاَّني: نسبة إلى قبيلة في إفريقيا.
أمّا ولادتُه: فكانت في عام ١٣٤٥هـ، وكان ذلك على مقربة من مكة، وذلك أنّ أبويه هاجرا من إفريقيا، ومكثا في الطّريق ما يقرب من سنة، وعلى مقربة من مكّة ولد الشّيخ عمر ﵀، وكان يقول: شاء الله أن يبدأ أبواه في الرّحلة وهما اثنان، وأن تنتهي وهم ثلاثة، أي: بوجود هذا المولود الذي صار ثالثًا لهما.
أمّا نشأتُه: فقد انتقل مع والديه بعد عام من ولادته إلى المدينة، ونشأ فيها وترعرع وبدأ تعليمه بالكُتّاب عند العريف محمّد بن سالم، ثمّ دخل في دار العلوم الشّرعيّة، ونال شهادتها الابتدائيّة، ثمّ نال الشّهادة الابتدائيّة من مديرية المعارف العمومية
1 / 4
وذلك في عام ١٣٦٣هـ، ثمّ بعد ذلك واصل الدّراسة في ما فوق الابتدائيّة، ودخل دار الحديث وأخذ شهادتها العالية، وكان ذلك في سنة ١٣٦٧هـ، ولازم الشّيخ عبد الرّحمن بن يوسف الإفريقيّ ﵀، واستفاد من علمه، وله مشايخ آخرون استفاد منهم ولكن الفائدة الكبيرة والملازمة المستمرّة إنّما هي للشّيخ عبد الرّحمن بن يوسف الإفريقيّ ﵀، ودرّس في دار الحديث، ودرّس أيضًا في غيرها، وبعد وفاة الشّيخ عبد الرّحمن الإفريقيّ ﵀ الذي كان هو النّاظر على دار الحديث تولّى إدارتها الشّيخ عمر ﵀.
ثانيًا: أمّا عقيدتُه ومنهجُه:
فقد كان ﵀ على عقيدة السّلف ومنهجهم، ملتزمًا بما جاء عن الله وعن رسوله ﷺ، حريصًا على معرفة الدّليل، واقتفاء آثار السّلف
1 / 5
الصّالح، وكان يكرهُ المناهج المخالفة لطريقة السّلف الصّالح ﵏.
وأمّا دعوتُه إلى الله: فكان داعيةً ناجحًا، وذلك في فصاحته وبلاغته وأسلوبه الحسن، وفي نصحه وصدقه وإخلاصه ﵀، فكان في دعوته مفيدًا ونافعًا لمن يسمعه، وكان ﵀ عندما يتحدّث في بعض الدّروس وفي بعض الكلمات التي يلقيها في الدّعوة إلى الله ﷿ وقد سمعتُ جملةً منها في الحجّ - فإنّه كان يشدّ انتباه الحاضرين إلى كلامه، وذلك لفصاحته وبلاغته وعلمه ومعرفته وجودة إلقائه وتمكّنه من المادّة التي يتكلّم فيها.
وقد قام ﵀ بالدّعوة إلى الله ﷿ عن طريق تدريسه في المسجد النّبويّ، وعن طريق مشاركته في توعية الحجّاج فإنّه منذ أنشأت التّوعية التّابعة لرئاسة البحوث العلميّة والإفتاء والدّعوة
1 / 6
والإرشاد في عام ١٣٩٢هـ إلى أن توفّي وهو في التّوعية، فكان يفيد السّامعين ويفيد الحجّاج وغير الحجّاج ﵀، وكذلك ذهب للدّعوة إلى الله ﷿ منتدبًا من الجامعة الإسلاميّة، وأيضًا للتّدريس في الإجازة الصّيفيّة في الدّورات التي تقيمها الجامعة، وكان داعيةً إلى الله ﷿ في البلاد المختلفة التي ذهب إليها.
ثالثًا: أمّا تدريسُه في المسجد النّبويّ
فقد كان بداية ذلك في عام ١٣٧٠هـ إلى أن توفّي رحمه الله تعالى في أواخر العام الماضي ١٤١٩هـ، أي أنّه درّس في المسجد النّبويّ ما يقارب نصف قرن قضاها في التّدريس في هذا المسجد المبارك مسجد الرّسول ﷺ، وكان مكانُه قريبًا من الرّوضة، وكنتُ عندما بدأت بالتّدريس في المسجد النّبويّ حلقتي قريبة من حلقته، وكنّا نسمع صوته الرّخيم الواضح
1 / 7
الجهوريّ، وكان صوتُه ﵀ يرتفع وينخفض، وكنّا نداعبُه عند ذلك في الطّلعات التي تكون في صوته حيث ينزل ثمّ يرتفع ويسمعه من يكون بعيدًا منه.
وعلى هذا فقد مكث هذه المدّة الطّويلة التي لم يكن أحدٌ يماثلُه فيها في هذا الزّمان، والذي يقاربُه فيها الشّيخ أبو بكر الجزائريّ حفظه الله فإنّه بدأ بالتّدريس في المسجد النّبويّ في عام ثلاثة وسبعين وثلاثمائة وألف، ولا يزال في التّدريس بارك الله في جهوده وفي دعوته ونفع به المسلمين.
رابعًا: إدارتُه لدار الحديث بالمدينة
بعدما توفّي الشّيخ عبد الرّحمن الإفريقيّ ﵀ في عام ١٣٧٧هـ وكان هو النّاظر عليها خلفه الشّيخ عمر في إدارتها والنّظارة عليها، وكانت لها منزلة عنده ومكانة رفيعة، وكان يحدب عليها
1 / 8
ويحرص عليها وهي شغله الشّاغل رحمه الله تعالى، واستمرّ فيها مديرًا لها ومربّيًا وموجّهًا لطلاّبها.
وفي عام خمسة وثمانين وثلاثمائة وألف انتقل إلى الجامعة الإسلاميّة في الأعمال المختلفة التي سأشير إليها بعد قليل، ولكنّه مع ذلك محتفظ بإدارة هذه الدّار والإشراف عليها مع أعماله التي أنيطت به في الجامعة الإسلاميّة، واستمرّ على ذلك في الجامعة يقوم بالأعمال التي أنيطت به بالإضافة إلى إشرافه على دار الحديث، ولمّا تقاعد رجع إلى الجلوس فيها وإدارتها حتّى توفّاه الله ﷿.
وكان ﵀ قد اعتنى بهذه الدّار، ولمّا أدخلت المباني القريبة من المسجد النّبويّ في مشروع المسجد النّبويّ، وكانت الدّارُ قريبةً من المسجد، وكانت إمّا داخلة في المسجد أو في السّاحة القريبة منه، وكان قد رُصد لها مبلغ من المال تعويضًا لذلك
1 / 9
الوقف للأرض والمنشآت التي عليه، فقيل له: لو أنّك طلبت منهم أن يزيدوا في المقدار الذي خصّص تعويضا لهذه الدّار؟ فقال: لا أفعل لأنّها - أي الأرض - داخلة في المسجد النّبويّ أو في ساحاته ويكون الأجر والثّواب إن شاء الله لِمن أسّسها وأوقفها حيث تكون في جملة المسجد أو في ساحات المسجد. ثمّ إنّه بعدما رُصد المبلغ لهذه الدّار اجتهد في البحث عن مكان مناسب وكان أن انتهى إلى شراء تلك الأرض التي بنيت عليها الدّار الآن، وتمّ بناؤُها على وجه حسن وبناء فيه إتقان ومتانة، وتصميمُ هذه الدّار صار له تميّزٌ في هذه المدينة ونال جائزة المدينة في التصميم العمراني.
خامسًا: الأعمال التي أنيطت به
في عام خمسة وثمانين وثلاثمائة وألف نُقل إلى الجامعة وكُلّف بعمل الأمين العام المساعد، واستمرّ
1 / 10
على ذلك، ثمّ عيّن أمينا عاما، ثمّ بعدما صنّف هيئة التّدريس وتحوّلوا من الوظائف القديمة إلى الوظائف التي هي في كادر المدرّسين على النّظام الحديث وذلك في عام ١٣٩٦هـ صنّف على أستاذ مساعد.
وكان مع قيامه في العمل الإداري يؤدّي دروسًا في كليّة الحديث، ثمّ بعد ذلك صار مسؤولًا عن مركز الدّعوة في الجامعة، ثمّ مسؤولًا عن مركز خدمة السّنّة والسّيرة النّبويّة في الجامعة، وهو الذي تمّ على يديه تأسيسُه والبداءةُ به، وتقاعد وهو يقوم بذلك العمل.
سادسًا: عددُ حجّاته
حجّ فرضه في عام ١٣٦٥هـ واستمرّ في الحجّ إلى عام ١٤١٨هـ لم يتخلّف عن الحجّ إلاّ سنة واحدة وهي سنة ١٣٦٧ هـ بسبب تمريض مريض كان عنده، وقد بلغت حجّاتُه ﵀ ثلاثا وخمسين حَجَّةً.
1 / 11
سابعًا: صفاتُه والتّشابهُ بينه وبين شيخه وشيخي الشّيخ عبد الرّحمن الإفريقيّ رحمه الله تعالى
كان من صفاته ﵀ كما هو معلوم لكلّ من عرفه - طلاقةُ الوجه وحسنُ الاستقبال، وكان ﵀ مع قلّة ماله وضعف حاله غنيّ النّفس سخيّ اليد رحمه الله تعالى، وكان حريصًا على نفع المسلمين، ومدّ يد العون لهم ومساعدتهم، وكان رحمه الله تعالى ذا تواضع جمّ يعرفُه من خالطه ومن رافقه في السّفر، وقد رافقتُه كما رافقه غيري وكلٌّ يعرف منه تواضعه وأنّه مع كونه يكبر من يكون معه في السّنّ إلاّ أنّه يبادر إلى أن يسبق إلى الخدمة مع أنّه هو الحقيق بأن يُخدم لفضله ولكبر سنّه رحمه الله تعالى.
وكان بينه وبين شيخه الشّيخ عبد الرّحمن الإفريقيّ شبه واضح بيّن، وأنا درستُ على الشّيخ عبد الرّحمن الإفريقيّ في الرّياض في عام ١٣٧٢هـ
1 / 12
وعام ١٣٧٣هـ درستُ عليه في الحديث والمصطلح، وكان مدرّسا ناصحا وعالما كبيرا، وموجّها ومرشدا وقدوة في الخير رحمه الله تعالى. والتّشابهُ بينه وبين الشّيخ عمر ﵀ قويٌّ فإنّ الصّفات التي ذكرتُها عن الشّيخ عمر موجودة في شيخه الشّيخ عبد الرّحمن الإفريقيّ وكلٌّ منهما له محبّة في النّفوس وقبول عند النّاس. وللشّيخ عمر ﵀ محاضرة واسعة عن الشّيخ عبد الرّحمن الإفريقيّ ألقاها في قاعة المحاضرات بالجامعة الإسلاميّة في ١٣/ ٤/ ١٣٩٨هـ، وهي مطبوعةٌ في المجلّد الخامس ضمن محاضرات الجامعة الإسلاميّة المطبوعة في ستّة مجلّدات للأعوام: من ١٣٩٤ إلى ١٣٩٩هـ، كلُّ مجلّد منها يشتملُ على خمس عشرة محاضرة، وهي موجودة في مكتبات الجامعة.
ثامنًا:
أمّا كيف عرفتُ الشّيخ عمر محمّد فلاّته ومدى الصّلة التي بيني وبينه فأوّل ما عرفتُه
1 / 13
عندما قدمتُ إلى المدينة عند افتتاح الجامعة الإسلاميّة في عام ١٣٨١هـ كنتُ أسمع ويتردّد على سمعي الشّيخ عمر مدير دار الحديث، فذهبتُ إليه ودخلتُ مع باب الدّار الذي هو إلى جهة الجنوب، وبعدما يدخل الإنسانُ مع هذا الباب يجد أمامه ساحة واسعة وعلى يساره غرفة هي مكان مدير الدّار وإذا الشّيخ عمر رحمه الله تعالى في زاوية من زوايا هذه الغرفة على مكتبه، فسلّمتُ عليه ورأيتُ من أوّل وهلةٍ منه السّماحة واللّطف والبُشر والدّعاء ومحبّة الخير للنّاس.
فكان هذا أوّل لقاء حصل لي معه وأوّل تعرّف عليه في تلك الجلسة التي دخل حبُّه في قلبي، وبعد ذلك توطّدت العلاقة بيني وبينه ولاسيّما بعدما انتقل إلى الجامعة الإسلاميّة، فكنتُ لا يمرّ يومٌ غالبا إلاّ وألتقي به وأجلس معه وأستأنس به كثيرًا رحمه الله تعالى، ثمّ في عام ١٣٨٩هـ وكذلك في العام الذي
1 / 14
يليه ذهبتُ أنا وإيّاه للتّعاقد مع مدرّسين للجامعة الإسلاميّة إلى الأردن وسوريا ولبنان ومصر، وبلغت تلك المدّة التي اصطحبنا فيها ما يقرب من شهرين في كلّ من هاذين العامين، وقد رأيتُ أخلاقه الكريمة وتواضعه الجمّ.
وأذكر أنّه كنّا في فندق من الفنادق، وكنّا نسكن في غرفة وفي داخلها حمّام، وكان في الحمّام يقضي حاجته ﵀، فدخل شخص فقال: أين رئيس اللّجنة؟ فقلتُ له: اجلس يأتي الآن، وكان يسمع وهو في داخل الحمّام، ولَمَّا خرج قال: هذا رئيس اللّجنة يشير إليّ: لستُ أنا رئيس اللّجنة، فقلتُ: لا أبدًا لستُ رئيسَ اللّجنة أنت رئيسُها، فصار الأمرُ يدور بيني وبينه كلٌّ يقول للآخر: أنا لستُ الرّئيس وإنّما الرّئيسُ أنتَ، فتعجّب هذا الشّخصُ الذي دخل وكان يسأل عن رئيس اللّجنة، وهذا من لطافته وتواضعه وسماحته رحمه الله تعالى.
1 / 15
ثمّ كانت العلاقة بيني وبينه وطيدةً جدّا بحيث لا ينقطع أحدُنا عن الآخر، وكان يزورني وأزوره، ويتّصل بي وأتّصل به، إذا تأخّر أحدُنا عن الآخر فترة وجيزة اتّصل بالهاتف يسألُ عنّي واتّصلتُ به أيضا أسألُ عنه، وكانت المودّة بيننا قائمة، وكان ذلك كلّه في الله ومن أجل الله، ليس هناك رابطة تربطني به إلاّ الحبّ في الله والموالاة في الله ﷿، وأرجو أن أكون وإيّاه من السّبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلَّ إلاّ ظلُّه الذين ورد ذِكْرُهُمْ في الحديث الصّحيح وفيهم: «ورجلان تحابّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرّقا عليه» .
وكان ﵀ مأذونًا لعقد الأنكحة، وهذا من المجال الذي ينفع فيه النّاس ويحسن فيه إلى النّاس رحمه الله تعالى، وكان باذلًا نفسه لهذه المهمّة وذلك في وقت مبكّر.
1 / 16
تاسعًا:
أمّا الأمثلةُ من دعابته وطرائفه فأذكر من لطائفه حول موضوع عقد الأنكحة أنّه جاء إلى موظّف في إدارة في حاجة من الحاجات، وكأنَّ ذلك الموظّفُ تلكّأ وما قام بتيسير أمر الشّيخ عمر، وكان قد عقد لوالد هذا الموظّف على أمّه، فكان منه أن قال: هذا ابنُ فلان؟ هذا الذي عقدتُّ لأبيه على أمّه، أنا الذي أخطأتُ لمّا عقدتُّ لأبيه على أمّه!! فضحك النّاسُ وقام الموظّفُ حالًا بإنهاء حاجته، فهذا من لطافته وظرافته رحمه الله تعالى.
ومن طرائفه أنّا كنّا في سفر إلى مصر وكان في الأزهر طلبة كثيرون جاءوا من الأرياف، وكانوا يتّخذون من أروقة الأزهر سكنا لهم، وللمسجد إمام وكان يدعو للطّلاّب فيقول: اللهمّ نجّح الطّلاّب، ووفّقهم للحكمة والصّواب. ومن دعابة الشّيخ عمر أنّه كان يُؤَمِّنُ ويقول: نحن من الطّلاّب أي: طلاّب المدرّسين لأنّنا جئنا في طلبهم والتّعاقد معهم.
1 / 17
ومن طرائفه أنّه كان معنا في السّفر نقود هي دولارات أمريكيّة، وكنّا نسمعُ إذاعة لندن، وعندما يأتي في آخر الأخبار بيان أسعار العملة فيذكر انخفاض سعر الدّولار فيظهر التّأثّر مداعبةً لأنّ النّقود التي معنا دولارات.
ومن طرائفه أنّني كنتُ معه في مجلس وفيه أحدُ المشايخ وقد حجّ فرضه بعد ولادتي بسنة، وكنتُ أعرفُ ذلك فسألتُه قائلًا: متى حججتَ فرضَك؟ فقال له الشّيخ عمر: انتبه لا يجرّ لك لسانك، يعني بذلك التّوصّل إلى مقدار عمر ذلك الشّيخ.
ومن الطّرائف العجيبة أنّني أداعب الشّيخ عمر حول سنّه وأنّه كبير، ولا يظهر عليه أثر الكِبَر، وفي سنة من السّنوات كنّا في الحجّ، ودخلنا مخيّم التّوعية في عرفات، وإذا فيه رجل قد ابيضّ منه كلُّ شيء حتّى حاجباه، فقلتُ للشّيخ عمر: هذا من أمثالك أي: كبار السّنّ، وبعد أن جلسنا قال ذلك الرّجل
1 / 18
يخاطبني: أنا تلميذ لك درّستني في مدرسة ليلية ابتدائية في الرّياض - وكان ذلك في سنة ١٣٧٤ هـ تقريبًا ـ، وكنتُ في زمن دراستي في الرّياض أدرّس مساء متبرّعًا في تلك المدرسة التي غالبُ طلاّبها موظّفون، فوجد ذلك الشّيخ عمر ﵀ مناسبة ليقلب الموضوع عليّ، فكان يكرّر مخاطبًا ذلك الرّجل: أنت تلميذ الشّيخ عبد المحسن؟
عاشرًا: وفاته
لقد توفّي ﵀ في صبيحة يوم الأربعاء الموافق التّاسع والعشرين من شهر ذي القعدة من عام ١٤١٩هـ، وهو آخر يوم في ذلك الشّهر إذ ثبت دخول ذي الحجّة ليلة الخميس، وكان ﵀ يرقد في مستشفى في الرّياض، وكنتُ عزمتُ على أن أزوره في الرّياض ولكنّه قيل: إنّ الأطبّاء سيأذنون له بالخروج آخر الأسبوع، وعاد إلى المدينة في صبيحة اليوم الثّامن والعشرين، وشاء الله ﷿
1 / 19
أن تقبض روحه وهو في المدينة من الغد؛ وصل السّاعة الثّامنة والنّصف من يوم الثّلاثاء يوم الثّامن والعشرين وفي الثّامنة والنّصف من يوم الأربعاء التّاسع والعشرين توفّي ﵀. وصلّي عليه في المسجد النّبويّ بعد صلاة العصر، ودفن في البقيع، وشهد جنازته خلق كثير من الحجّاج وغيرهم ﵀ وغفر له.
وقد خلف بعده سبعة من البنين واثنتين من البنات أصلحهم الله جميعا وبارك فيهم.
وفي الختام أسأل الله ﷿ أن يغفر للشّيخ عمر وأن يعلي درجته، وأن لا يفتننا بعده، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
1 / 20