Shaykh Cabd Qadir Maghribi
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
Nau'ikan
القاهرة 29 / 12 / 1957
عصره
1284-1375ه/1867-1956م
أطل القرن الثالث عشر للهجرة مع نهاية القرن الثامن عشر للميلاد، وكانت الإمبراطورية العثمانية هي المسيطرة على أكثر أرجاء العالم العربي، وإن كانت هذه السيطرة روحية في بعض أقاليمه كشمالي أفريقيا، ومصر، أما الجزيرة العربية والشام والعراق فكانت تحت النفوذ المطلق للإمبراطورية، كما كانت على حالة عجيبة من التفكك والتفسخ الداخلي والخارجي.
ولما حاول السلطان العثماني سليم الثالث إصلاح الأمور وتنظيم الجيش، والأخذ بطرائق الإصلاح الأوروبية الحديثة بمعونة سفير نابليون الثالث لدى بلاطه الجنرال سباستياني
Sébastiani
لم يمكنه الإنكشاريون المرتزقة من القيام بتلك الحركة الإصلاحية، وأكرهوه على أن يخلع نفسه، وتم لهم ذلك في سنة 1807م، وفتكوا بجميع زعماء الإصلاح الذين كانوا يؤازرون ذلك السلطان في حركته الإصلاحية، وأجلسوا على العرش ابن عمه مصطفى الرابع الذي سار معهم كما يريدون، وأرجع الإمبراطورية إلى طرائق الرجعية والفساد، وكذلك فعلوا مع خلفه السلطان محمود الثاني، الذي أراد أن يخطو خطوة نحو الإصلاح، فوقفوا في وجهه فترة إلى أن تغلب عليهم، وأصدر «فرمانا شاهانيا في سنة 1826م أوجب به تأليف جيش نظامي حديث في الإمبراطورية، وفتك بعدد كبير من الإنكشارية، وقضى على سلطانهم قضاء مبيدا، ولكن الدول الغربية الطامعة في استعمار الإمبراطورية العثمانية لم تترك السلطان المصلح يتم خطواته الجريئة؛ ففي سنة 1827م اتفقت الدول الثلاث الكبرى آنئذ (وهي روسيا وإنكلترا وفرنسا) فيما بينها على تجزئة أوصال الإمبراطورية، وحطمت أسطولها في معركة «نافارين» المشهورة، ثم تتابعت المحن على الإمبراطورية المريضة، فلم يتمكن السلطان محمود الثاني من إتمام إصلاحاته، واستمرت الدولة تتخبط في حالة الفوضى والجهل، وكان لانفصال بعض أجزاء الإمبراطورية عنها أثر كبير في إلهاب عواطف الأجزاء الأخرى وإثارة العواطف القومية عند أهلها؛ فقد كان لانفصال اليونان عن جسم الإمبراطورية في سنة 1830م بعد حرب فظيعة، ذهب بسببها أكثر قطع الأسطول التركي والأسطول المصري، كما كان لانفصال المقاطعات الرومانية عن الإمبراطورية وإعلانها استقلالها في ذلك الحين أثر بالغ في إضعاف كيان الدولة، وإثارة شعور القوميات غير التركية، وفي طليعتها القومية العربية.
ويظهر أن الدولة العثمانية قد طاش صوابها في ذلك الحين، وأرادت التنفيس عن غمها، الذي ران عليها من جراء تلك الضربات، فسلكت إلى ذلك سبيلا بشعة مجرمة، وهي الانتقام من النصارى الخاضعين لها وبخاصة نصارى الديار الشامية، وكتبت حكومة الآستانة إلى ولاتها في الشام تطلب إليهم أن ينتقموا ممن تحت أيديهم من النصارى، وجمع والي دمشق التركي أعيان البلاد في سنة 1831م وتلا عليهم الفرمان الشاهاني القاضي بقتل كبراء النصارى في تلك البلاد لتآمرهم على الدولة وإفسادهم مصالحها، ولكن موقف أعيان المسلمين كان موقفا مشرفا إذ قالوا له: ليس بين النصارى المقيمين بيننا مفسدون، وإنما هم أهل ذمة وعهد، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإن الرسول محمد
صلى الله عليه وسلم
أوصى بهم خيرا، فقال: من آذى ذميا كنت خصمه يوم القيامة، ونحن لا نتحمل تبعة ظلمهم والفتك بهم، فأخذ الوالي العثماني خطوطهم على ذلك، وبعث بها إلى الباب العالي في الآستانة.
Shafi da ba'a sani ba