Shaykh Cabd Qadir Maghribi
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
Nau'ikan
صلى الله عليه وسلم
وتقوية قلبه الشريف وحثه على الصبر والتجلد والتأسي بإخوانه الأنبياء الذين تقدموه ولقوا من أممهم مثل ما لقي أو أشد.
9
ويلاحظ أن المغربي قد أسهب في تفسير آيات نعيم المؤمنين في دار الآخرة فقد فسرها تفسيرا قال عنه: «كانت تعرض لي وأنا أباشر التفسير، آيات النعيم ووصف ملذات الجنة والأشياء التي يستمتع بها في بحابحها فكنت أفسرها تفسيرا ينفي الشبهة، ويزيح الشكوك، ويلتحم مع العقل السليم من دون أن أخرج عن قواعد اللغة والمعهود في أساليب العرب ومذاهبهم الكلامية، ومن دون أن أتخطى قواعد الإسلام وسلامة أصوله، التي تبنى عليها علاقة العقيدة، غير أني (من حيث لا أشعر)، كنت أسهب في تفسير آيات الملذات إسهابا رأيتني فيه خرجت عن الاختصار الذي التزمته في تفسير آيات جزء تبارك». والحق أن المغربي قد سلك في هذا الطريق مسلكا ارتآه، ولكن جماعة من العلماء خالفوه فيه قديما وحديثا ذاهبين إلى أن ملذات الآخرة كملذات الدنيا التي يتمتع بها الجسم وتلذها العين واليد لا كما يقول هو من أنها ملذات روحية روحانية.
وقد انقسم أولئك العلماء إلى فريقين: فريق أول هم جمهور العلماء المتقدمين ومن تبعهم من عامة المسلمين إلى اليوم ممن قالوا بأن ما ذكره الله في القرآن عن الجنة وأسباب نعيمها داخل كله تحت القدرة الإلهية والإمكان العقلي، وقد خلق نظيره في دنيانا هذه، ومن خلق هذا قادر بالضرورة على خلق ذاك، فالواجب تصديقه والإيمان به من دون تأويل أو تعليل، حتى قال أبو قلابة المفسر المحدث البغدادي (279) في تفسير قوله تعالى:
وسقاهم ربهم شرابا طهورا : إن أهل الجنة يؤتون بالطعام والشراب ممزوجا بالكافور والزنجبيل، فإذا أكلوا وشربوا ما شاءوا دعوا بالشراب الطهور المذكور فيشربونه، فتطهر بذلك بطونهم، ويفيض عرق من جلودهم كريح المسك، فتضمر بذلك بطونهم.
10
وفريق ثان هم الصوفية الذين اشتهروا بعشق الحضرة الإلهية والاستغراق في تقديس الذات الأحدية، فكلام هؤلاء يشعر بأن للأكل والشرب ولحم الطير والفاكهة والخمر واللبن والأكواب والحور والولدان والأساور والستور والوسائد، معاني أخر وراءها ما يستفاد منها لغة، وأن هذه المعاني هي المقصودة في الخطاب الإلهي.
والمغربي لا يرى رأي الفريقين وإنما يقول: إن ثمة فريقا ثالثا لا يقيم وزنا لما استند إليه الفريق الثاني من الكاشفات ومعرفة الأسرار، لا لأنهم ينكرون ذلك؛ بل لأنهم يقولون: إن الله أنزل علينا القرآن بلسان عربي مبين، وكلفنا أن نتدبر ونتفهم معانيه ونعمل بها، وبديهي أن الواسطة في فهم هذه المعاني واستخراجها من إطواء الخطاب الإلهي إنما هي اللغة العربية وطرق بلاغتها ومختلف أساليب التخاطب بها، وأن تفسير آيات القرآن بواسطة «الذوق والمكاشفة» يروي الدعاوي الفاسدة، والمزاحم الفاسدة وينقلنا إلى عالم من الوهم والخيال، لا منتهى لحدوده، فلم يبق لنا حبل نتمسك به في الوصول إلى فهم القرآن سوى اللغة ومذاهب العرب في ملاحن كلامهم.
11
Shafi da ba'a sani ba